﴿وأنبتنا عليه﴾ أي : له وقيل : عنده ﴿شجرة من يقطين﴾ قال المبرد والزجاج : اليقطين كل ما لم يكن له ساق من عود كالقثاء والقرع والبطيخ والحنظل وهو قول الحسن ومقاتل، قال البغوي : المراد هنا القرع على قول جميع المفسرين، وروى الفراء أنه قيل عند ابن عباس : هو ورق القرع فقال : ومن جعل القرع من بين الشجر يقطيناً كل ورقة انشقت وشربت فهو يقطين.
٤٧٧
فإن قيل : الشجر ما له ساق واليقطين مما لا ساق له كما قال تعالى :﴿والنجم والشجر يسجدان﴾ (الرحمن : ٦)
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٧٦
أجيب : بأن الله تعالى جعل لها ساقاً على خلاف العادة في القرع معجزة له عليه السلام ولو كان منبسطاً على الأرض لم يمكن أن يستظل به قال مقاتل بن حبان : كان يونس عليه السلام يستظل بالشجرة وكانت وعلة تختلف إليه فيشرب من لبنها بكرة وعشياً حتى اشتد لحمه ونبت شعره.
وروي أن يونس عليه السلام كان يسكن مع قومه فلسطين فغزاهم ملك وسبى منهم تسعة أسباط ونصفاً وبقي سبطان ونصف، وكان قد أوحى الله تعالى إلى بني إسرائيل إذا أسركم عدوكم أو أصابتكم مصيبة فادعوني أستجب لكم، فلما نسوا ذلك وأسروا أوحى الله تعالى بعد حين إلى نبي من أنبيائهم أن اذهب إلى ملك هؤلاء الأقوام وقل له : يبعث إلى بني إسرائيل نبياً، فاختار من بني إسرائيل يونس عليه السلام لقوته وأمانته فقال يونس : الله أمرك بهذا ؟
قال : لا ولكن أمرت أن أبعث قوياً أميناً وأنت كذلك، فقال يونس : في بني إسرائيل من هو أقوى مني فلم لم تبعثه ؟
فألح الملك عليه فغضب يونس منه وخرج حتى أتى بحر الروم فوجد سفينة مشحونة فحملوه فيها فلما أشرف على لجة البحر أشرفوا على الغرق فقال الملاحون : إن فيكم عاصياً وإلا لم يحصل في السفينة ما نراه فقال التجار : قد جربنا مثل هذا فإذا رأيناه نقترع فمن خرجت عليه نغرقه في البحر فلأن يغرق واحد خير من غرق الكل، فخرج من بينهم يونس فقال : يا هؤلاء أنا العاصي وتلفف في كسائه ورمى بنفسه فالتقمه الحوت، وأوحى الله تعالى إلى الحوت لا تكسر منه عظماً ولا تقطع منه وصلاً، ثم إن الحوت خرج إلى نيل مصر ثم إلى بحر فارس ثم إلى البطائح ثم إلى دجلة وصعد به ورماه في أرض نصيبين بالعراء وهو كالفرخ المنتوف لا شعر ولا لحم، فأنبت الله تعالى عليه شجرة من يقطين فكان يستظل بها ويأكل من ثمرها حتى اشتد، ثم إن الأرضة أكلتها، فحزن يونس لذلك حزناً شديداً، فقال : يا رب كنت أستظل تحت هذه الشجرة من الشمس والريح وأمص من ثمرها وقد سقطت فقال : يا يونس تحزن على شجرة أنبتت في ساعة ولا تحزن على مائة ألف إو يزيدون تركتهم فانطلق إليهم، فانطلق إليهم وذلك قوله تعالى :
﴿وأرسلناه﴾ أي : بعد ذلك كقبله إلى قومه بنينوى من أرض الموصل ﴿إلى مائة ألف أو يزيدون﴾ قال ابن عباس : إن أو بمعنى الواو، وقال مقاتل والكلبي : بمعنى بل، وقال الزجاج : على الأصل بالنسبة للمخاطبين، واختلفوا في مبلغ الزيادة فقال ابن عباس ومقاتل : كانوا عشرين ألفاً، ورواه أبي بن كعب عن رسول الله ﷺ وقال الحسن : بضعاً وثلاثين ألفاً، وقال سعيد بن جبير : تسعين ألفاً.
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٧٦
فآمنوا﴾
أي : الذين أرسل إليهم عند معاينة العذاب الموعودين به ﴿فمتعناهم﴾ أي : أبقيناهم بما لهم ﴿إلى حين﴾ أي : إلى انقضاء آجالهم.
تنبيه : قال البيضاوي : ولعله إنما لم يختم قصته وقصة لوط عليهما السلام بما ختم به سائر القصص تفرقة بينهما وبين أرباب الشعائر الكثيرة وأولي العزم من الرسل واكتفاء بالسلام الشامل لكل الرسل المذكورين في آخر السورة وقوله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم
﴿فاستفتهم﴾ أي : استخبر كفار مكة توبيخاً لهم ﴿ألربك البنات ولهم البنون﴾ قال الزمخشري : معطوف على مثله في أول السورة، قال أبو حيان : وإذا كانوا قد
٤٧٨
عدوا الفصل بجملة نحو : كل لحماً واضرب زيداً وخبزاً من أقبح التراكيب فكيف بجمل كثيرة وقصص متباينة ؟
فأجيب عنه : بأن الفصل وإن كثر بين الجمل المتعاطفة مغتفر وأما المثال الذي ذكره فمن قبيل المفردات.


الصفحة التالية
Icon