﴿والطير محشورةً﴾ أي : مجموعة إليه تسبح معه، عطف مفعول على مفعول، وهما الجبال والطير، أو حال على حال، وهما يسبحن، ومحشورة كقولك : ضربت زيداً مكتوفاً
٤٩٠
وعمراً مطلقاً وأتى بالحال اسماً لأنه لم يقصد أن الفعل وقع شيئاً فشيئاً لأن حشرها دفعة واحدة أدل على القدرة والحاشر هو الله تعالى ؟
فإن قيل : كيف يصدر تسبيح الله تعالى من الطير مع أنه لا عقل لها ؟
أجيب : بأنه لا يبعد أن يخلق الله تعالى لها عقولاً ولا حتى تعرف الله تعالى فتسبحه حينئذ ويكون ذلك معجزة لداود عليه السلام ﴿كلٌ﴾ أي : من الجبال والطير ﴿له﴾ أي : لداود أي : لأجل تسبيحه ﴿أواب﴾ أي : رجاع إلى طاعته بالتسبيح وقيل : كل مسبح فوضع أواب موضع مسبح وقيل : الضمير في له للباري تبارك وتعالى والمراد كل من داود والجبال والطير مسبح ورجاع لله تعالى.
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٨٩
وشددنا﴾ أي : قوينا بما لنا من العظمة ﴿ملكه﴾ بالحرس والجنود، قال ابن عباس : كان أشد ملوك الأرض سلطاناً كان يحرس محرابه كل ليلة ستة وثلاثون ألف رجل، وعن ابن عباس : أن رجلاً من بني إسرائيل استعدى على رجل من عظمائهم عند داود فقال : إن هذا قد غصبني بقراً فسأله داود فجحد فقال للآخر : البينة فلم تكن له بينة، فقال لهما داود : قوما حتى أنظر في أمركما فأوحى الله تعالى إلى داود في منامه أن يقتل الذي استعدى عليه، فقال : هذه رؤيا ولست أعجل حتى أتثبت، فأوحى الله تعالى إليه مرة ثانية فلم يفعل فأوحى الله تعالى إليه مرة ثالثة أن يقتله أو تأتيه العقوبة فأرسل داود إليه فقال له : إن الله تعالى أوحى إلي أن أقتلك فقال : تقتلني بغير بينة فقال : نعم والله لأنفذن أمر الله تعالى فيك، فلما عرف الرجل أنه قاتله قال : لا تعجل حتى أخبرك أني والله ما أخذت بهذا الذنب ولكني كنت اغتلت ابن هذا فقتلته فبذلك أخذت، فأمر به داود فقتل، فاشتدت هيبة داود عند ذلك في قلوب بني إسرائيل واشتد به ملكه فذلك قوله تعالى :﴿وشددنا ملكه﴾ ﴿وآتيناه﴾ أي : بعظمتنا ﴿الحكمة﴾ أي : النبوة والإصابة في الأمور.
واختلف في تفسيره قوله تعالى :﴿وفصل الخطاب﴾ فقال ابن عباس : بيان الكلام أي : معرفة الفرق بين ما يلتبس في كلام المخاطبين له من غير كبير رؤية في ذلك، وقال ابن مسعود والحسن : علم الحكمة والبصر بالقضاء، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : هو أن البينة على المدعي واليمين على من أنكر لأن كلام الخصوم ينقطع وينفصل به، وقال أبي بن كعب : فصل الخطاب الشهود والإيمان، وقال مجاهد وعطاء ويروى عن الشعبي : إن فصل الخطاب هو قول الإنسان بعد حمد الله والثناء عليه، أما بعد إذا أراد الشروع في كلام آخر وأول من قاله داود عليه السلام، وقيل غيره كما ذكرته في شرح المنهاج عند قول المنهاج أما بعد، وقيل : هو الخطاب الفصل الذي ليس باختصار مخل ولا إشباع ممل كما جاء وصف كلام النبي ﷺ فصل لا نزر ولا هذر، وقوله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم
﴿وهل﴾ استفهام معناه التعجب والتشويق إلى استماع ما بعده ﴿أتاك﴾ يا أفضل الخلق ﴿نبأ﴾ أي : خبر ﴿الخصم﴾ وهو في الأصل مصدر ولذلك يصلح للمفرد والمذكر والمراد به هنا الجمع بدليل قوله تعالى ﴿إذ﴾ أي : حين ﴿تسوروا﴾ أي : تصعدوا وعلوا ﴿المحراب﴾ أي : البيت الذي كان يدخل فيه داود ويشتغل فيه بالعبادة والطاعة، قال الزمخشري : فإن قلت : بما انتصب إذ ؟
قلت : لا يخلو إما أن ينتصب بأتاك أو بنبأ أو بمحذوف فلا يسوغ انتصابه بأتاك لأن إتيان النبأ رسول الله ﷺ لم يقع إلا في عهده لا في عهد داود ولا بنبأ ؛ لأن النبأ واقع في عهد داود فلا يصح إتيانه رسول الله ﷺ وإن أردت بالنبأ القصة في نفسها لم تكن ناصباً، فبقي أن يكون منصوباً بمحذوف تقديره وهل أتاك نبأ تحاكم الخصم إذ تسوروا، انتهى. فاختار أن يكون معمولاً لمحذوف، ويجوز أن ينتصب بالخصم لما فيه من معنى الفعل.
٤٩١
وقوله تعالى :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٨٩