وقال السدي : كان سبب فتنة سليمان عليه السلام أنه كانت له مائة امرأة وكانت امرأة منهن يقال لها جرادة : وهي آثر نسائه وآمنهن عنده وكان يأتمنها على خاتمه إذا أتى حاجته فقالت له يوماً : إن أخي بينه وبين فلان خصومة فأحب أن تقضي له فقال : نعم ولم يفعل فابتلى بقوله : نعم، وذكر نحو ما تقدم وفي بعض الروايات أن سليمان عليه السلام لما افتتن سقط الخاتم من يده وكان فيه ملكه فأعاده سليمان عليه السلام إلى يده فسقط فأيقن سليمان عليه السلام بالفتنة، فأتاه آصف فقال لسليمان عليه السلام : إنك مفتون بذنبك والخاتم لا يتماسك في يدك ففر إلى الله تعالى تائباً فإني أقوم مقامك وأسير بسيرك إلى أن يتوب الله تعالى عليك، ففر سليمان عليه السلام إلى الله تعالى وأعطى آصف الخاتم فوضعه في يده فثبت فأقام آصف في ملك سليمان عليه السلام يسير بسيره أربعة عشر يوماً إلى أن رد الله تعالى على سليمان عليه السلام ملكه وتاب عليه ورجع إلى ملكه وجلس على سريره وأعاد الخاتم في يده، فهو الجسد الذي ألقي على كرسيه.
وروي عن سعيد بن المسيب قال : احتجب سليمان عليه السلام عن الناس ثلاثة أيام فأوحى الله تعالى إليه احتجبت عن الناس ثلاثة أيام فلم تنظر في أمور عبادي فابتلاه الله عز وجل وذكر نحو ما تقدم من حديث الخاتم وأخذ الشيطان إياه.
قال الرازي : واستبعد أهل التحقيق هذا الكلام من وجوه ؛ الأول : أن الشيطان لو قدر على أن يشتبه في الصورة والخلقة بالأنبياء فحينئذٍ لا يبقى اعتماد على شيء من ذلك فلعل هؤلاء الذين رآهم الناس على صورة محمد وعيسى وموسى عليهم السلام ما كانوا أولئك بل كانوا شياطين تشبهوا بهم في الصورة لأجل الإغواء والإضلال وذلك يبطل الدين بالكلية.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٩٧
الثاني : أن الشيطان لو قدر أن يعامل نبي الله تعالى سليمان عليه السلام بمثل هذه المعاملة لوجب أن يقدر على مثلها مع جميع العلماء والزهاد وحينئذ يجب أن يقتلهم ويمزق تصانيفهم ويخرب
٥٠٢
ديارهم، ولما بطل ذلك في حق آحاد العلماء فلأن يبطل في حق أكابر الأنبياء أولى.
الثالث : كيف يليق بحكمة الله تعالى وإحسانه أن يسلط الشيطان على أزواج سليمان عليه السلام ولا شك أنه قبيح أي : على غير رأي الحسن كما مر.
الرابع : لو قلنا إن سليمان عليه السلام أذن لتلك المرأة في عبادتها تلك الصورة فهذا كفر منه، وإن لم يأذن فيه البتة فالذنب على تلك المرأة فكيف يؤاخذ الله تعالى سليمان عليه السلام بفعل لم يصدر منه أي : وقد يقال : إنما أوخذ بذلك لكونه كان سبباً في عملها.
قال : فأما أهل التحقيق فقد ذكروا وجوهاً ؛ الأول : أن فتنة سليمان عليه السلام أنه ولد له ابن فقالت : الشياطين إن عاش صار مسلطاً علينا مثل أبيه فسبيلنا أن نقتله، فعلم سليمان عليه السلام ذلك فكان يربيه في السحاب فبينما هو يشتغل بمهماته إذ ألقي ذلك الولد ميتاً على كرسيه فتنبه على خطيئته في أنه لم يثق ولم يتوكل على الله تعالى فاستغفر ربه وتاب.
الثاني : روي عن النبي ﷺ أنه قال :"قال سليمان لأطوفن الليلة على سبعين امرأة كل امرأة تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله ولم يقل إن شاء الله تعالى، فطاف عليهن فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل والذي نفسي بيده لو قال : إن شاء الله تعالى لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعين" فذلك قوله تعالى :﴿ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسداً﴾ (ص : ٣٤)
الثالث : أنه أصابه مرض فصار يجلس على كرسيه وهو مريض فذلك قوله تعالى ﴿وألقينا على كرسيه جسداً﴾ وذلك لشدة المرض والعرب تقول في الضعيف : أنه لحم على وضم وجسم بلا روح ﴿ثم أناب﴾ أي : رجع إلى حال الصحة أي : وهذا أظهر ما قيل كما قاله البيضاوي.
الرابع : لا يبعد أيضاً أن يقال : إنه ابتلاه الله تعالى بتسليط وقوع خوف أو وقوع بلاء توقعه من بعض الجهات حتى صار بقوة ذلك الخوف كالجسد الضعيف الخفي على ذلك الكرسي ثم إن الله تعالى أزال عنه ذلك الخوف وأعاده إلى ما كان عليه من القوة وطيب القلب، فاللفظ محتمل لهذه الوجوه ولا حاجة إلى حمله على تلك الوجوه الركيكة، فإن قيل : لولا تقدم الذنب.


الصفحة التالية
Icon