جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٤١
يدل على أن المتوفي هو الله تعالى ويؤيده قوله تعالى :﴿الذي خلق الموت والحياة﴾ (الملك : ٢)
وقوله تعالى عن إبراهيم عليه السلام :﴿ربي الذي يحيي ويميت﴾ (البقرة : ٢٥٨)
وقال تعالى في آية أخرى ﴿إذا جاء أحدهم الموت توفته رسلنا﴾ (الأنعام : ٦١)
فكيف الجمع ؟
أجيب : بأن المتوفي في الحقيقة هو الله تعالى إلا أنه تعالى فوض كل نوع إلى ملك من الملائكة ففوض قبض الأرواح إلى ملك الموت وهو الرئيس وتحته أتباع وخدم فأضيف التوفي في آية إلى الله تعالى وهي الإضافة الحقيقية، وفي آية إلى ملك الموت لأنه الرئيس في هذا العمل وفي آية إلى : أتباعه.
٥٤٢
ثم إن الكفار أوردوا على هذا الكلام سؤالاً فقالوا : نحن لا نعبد هذه الأصنام لاعتقاد أنها تضر وتنفع وإنما نعبدها لأجل أنها تماثيل لأشخاص كانوا عند الله تعالى من المقربين فنحن نعبدها لتشفع لنا أولئك المقربون عند الله تعالى فأجاب الله سبحانه عنه بقوله تعالى :
﴿أم اتخذوا﴾ أي : كلفوا أنفسهم بعد وضوح الدلائل عندهم ﴿من دون الله﴾ أي : الذي لا مكافئ له ولا مداني ﴿شفعاء﴾ أي : تشفع لهم عند الله تعالى.
تنبيه : أم منقطعة فتقدر ببل والهمزة ﴿قل﴾ يا أشرف الخلق لهؤلاء البعداء ﴿أولو﴾ أي : أيشفعون ولو ﴿كانوا لا يملكون شيئاً﴾ أي : من الشفاعة وغيرها ﴿ولا يعقلون﴾ أي : أنكم تعبدونهم ولا غير ذلك وجواب لو محذوف تقديره ولو كانوا بهذه الصفة تتخذونهم.
﴿قل﴾ أي : لهم ﴿لله﴾ أي : الذي له كمال القدرة والعظمة ﴿الشفاعة جميعاً﴾ أي : هو مختص بها فلا يشفع أحد إلا بإذنه ثم قرر ذلك فقال ﴿له ملك السموات والأرض﴾ أي : فإنه مالك الملك كله لا يملك أحد أن يتكلم دون إذنه ورضاه ﴿ثم إليه ترجعون﴾ أي : يوم القيامة فيكون الملك له أيضاً حينئذ ثم ذكر تعالى نوعاً آخر من أعمال المشركين القبيحة بقوله تعالى :
﴿وإذا ذكر الله﴾ أي : الذي لا إله غيره ﴿وحده﴾ أي : دون آلهتهم ﴿اشمأزت﴾ قال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد : يعني انقبضت، وقال قتادة : استكبرت وأصل الاشمئزاز والنفور والاستكبار أي : نفرت واستكبرت ﴿قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة﴾ أي : لا يؤمنون بالبعث ﴿وإذا ذكر الذين من دونه﴾ أي : الأصنام ﴿إذا هم يستبشرون﴾ أي : يفرحون لفرط افتتانهم ونسيانهم حق الله تعالى ولقد بالغ في الأمرين حق الغاية فيهما، فإن الاستبشار أن يمتلئ قلبه سروراً حتى تنبسط له بشرة وجهه والاشمئزاز أن يمتلئ غيظاً وهماً حتى ينقبض أديم وجهه. قال مجاهد ومقاتل : وذلك حين :"قرأ النبي ﷺ سورة والنجم وألقى الشيطان في أمنيته تلك الغرانيق العلا ففرح به المشركون وقد تقدم الكلام على ذلك في سورة الحج".
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٤١
تنبيه : قال الزمخشري : فإن قلت ما العامل في إذا ذكر، قلت : العامل في إذا المفاجأة تقديره وقت ذكر الذين من دونه فاجؤوا وقت الاستبشار. قال أبو حيان : أما قول الزمخشري فلا أعلمه من قول من ينتمي إلى النحو هو أن الظرفين معمولان لفاجؤوا ثم قال : إذا الأولى تنتصب على الظرفية والثانية على المفعول به.
ولما حكى الله تعالى عن هؤلاء الكفار هذا الأمر العجيب الذي تشهد فطرة العقل بفساده أردفه بذكر الدعاء العظيم فقال تعالى :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٤١
٥٤٣
﴿قل اللهم﴾ أي : يا الله ﴿فاطر السموات والأرض﴾ أي : مبدعهما من العدم أي : ألتجئ إلى الله تعالى بالدعاء لما تحيرت في أمرهم وعجزت في عنادهم وشدة شكيمتهم فإنه القادر على الأشياء والعالم بالأحوال كلها ﴿عالم الغيب والشهادة﴾ وصف تعالى نفسه بكمال القدرة وكمال العلم ﴿أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون﴾ أي : من أمر الدين وعن الربيع بن خيثم وكان قليل الكلام لما أخبر بقتل الحسين وسخط على قاتله وقالوا : الآن يتكلم فما زاد على أن قال : آه أوقد فعلوا وقرأ الآية، وروي أنه قال على أثرها : أو قتل من كان يجلسه رسول الله ﷺ في حجره ويضع فاه على فيه. وعن أبي سلمة قال :"سألت عائشة رضي الله عنها بم كان يفتتح رسول الله ﷺ صلاته بالليل قالت : كان يقول اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل عليهم السلام فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم".
ولما حكى الله تعالى عنهم هذا المذهب الباطل ذكر في وعيدهم أشياء.
أولها : قوله تعالى :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٤٣