الجحيم وعذاب موقف يوم القيامة والسؤال والحساب، فيكون تعميماً بعد تخصيص وهذا أولى. وقال بعض المفسرين : إن الملائكة طلبوا إزالة عذاب النار عنهم بقولهم وقهم عذاب الجحيم، وطلبوا إيصال الثواب إليهم بقولهم : وأدخلهم جنات عدن، ثم طلبوا بعد ذلك أن يصونهم الله تعالى في الدنيا من العقائد الفاسدة بقولهم وقهم السيئات. وقرأ أبو عمرو في الوصل بكسر الميم والهاء، وحمزة والكسائي بضم الهاء والميم والباقون بكسر الهاء وضم الميم ثم قالت الملائكة :﴿ومن تق السيئات﴾ أي : جزاءها كلها ﴿يومئذ﴾ أي : يوم تدخل فريقاً الجنة وفريقاً النار المسببة عن السيئات وهو يوم القيامة ﴿فقد رحمته﴾ أي : الرحمة الكاملة التي لا يستحق غيرها معها أن يسمى رحمة فإن تمام النعيم لا يكون إلا بها لزوال التحاسد والتباغض والنجاة من النار باجتناب السيئات ولذلك قالوا :﴿وذلك﴾ أي : الأمر العظيم جداً ﴿هو الفوز العظيم﴾ أي : النعيم الذي لا ينقطع في جوار ملك لا تصل العقول إلى كنه عظمته وإجلاله هذا آخر دعاء الملائكة للمؤمنين، قال مطرف : أنصح عباد الله تعالى للمؤمنين الملائكة وأغش الخلق للمؤمنين هم الشياطين. ثم إنه تعالى بعد أن ذكر أحوال المؤمنين عاد إلى ذكر أحوال الكافرين المجادلين في آيات الله تعالى وهم المذكورون في قوله تعالى :﴿ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا﴾ (غافر : ٤)
فقال تعالى مستأنفاً مؤكداً لإنكارهم آيات الله تعالى :
﴿إن الذين كفروا﴾ أي : أوقعوا الكفر ولو لحظة ﴿ينادون﴾ يوم القيامة وهم في النار وقد مقتوا أنفسهم حين عرض عليهم سيئاتهم وعاينوا العذاب فيقال لهم :﴿لمقت الله﴾ أي : الملك الأعظم إياكم ﴿أكبر﴾ والتقدير : لمقت الله لأنفسكم أكبر ﴿من مقتكم أنفسكم﴾ فاستغنى بذكرها مرة وقوله تعالى :﴿إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون﴾ منصوب بالمقت الأول والمعنى : أنه يقال لهم يوم القيامة : كان الله تعالى يمقت أنفسكم الأمارة بالسوء والكفر حين كان يدعوكم إلى الإيمان فتأبون قبوله وتختارون عليه الكفر، أشد ما تمقتونهن اليوم وأنتم في النار إذا وقعتم فيها باتباعكم هواهن. وذكروا في تفسير مقتهم أنفسهم وجوهاً ؛ أولها : أنهم إذا شاهدوا القيامة والجنة والنار مقتوا أنفسهم على إصرارهم على التكذيب بهذه الأشياء في الدنيا. ثانيها : أن الأتباع يشتد مقتهم للرؤساء الذين يدعونهم إلى الكفر في الدنيا، والرؤساء أيضاً يشتد مقتهم للأتباع فعبر عن مقت بعضهم بعضاً بأنهم مقتوا أنفسهم كقوله تعالى :﴿اقتلوا أنفسكم﴾ (النساء : ٦٦)
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٦٥
والمراد أن يقتل بعضكم بعضاً. ثالثها : قال محمد بن كعب : إذا خطبهم إبليس وهو في النار بقوله : ما كان لي عليكم من سلطان إلى قوله ولوموا أنفسكم، ففي هذه الحالة مقتوا أنفسهم. وأما الذين ينادون الكفار بهذا الكلام فهم خزنة جهنم، وعن الحسن : لما رأوا أعمالهم الخبيثة مقتوا أنفسهم فنودوا لمقت الله أكبر، وقيل : معناه لمقت الله إياكم الآن أكبر من مقت بعضكم لبعض كقوله تعالى :﴿يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً﴾ (العنكبوت : ٢٥)
و﴿إذ تدعون﴾ تعليل، والمقت : أشد البغض وذلك في حق الله تعالى محال فالمراد منه : أبلغ الإنكار وأشده، وعن مجاهد : مقتوا أنفسهم حين رأوا أعمالهم ومقت الله تعالى إياهم في الدنيا، إذ يدعون إلى الإيمان فيكفرون أكبر، وقال الفراء : معناه : ينادون إن مقت الله يقال : ناديت أن زيداً قائم وناديت لزيد قائم، وقرأ أبو عمرو وهشام وحمزة والكسائي بإدغام الذال في التاء والباقون بالإظهار.
٥٦٦
ثم إنه تعالى بين أن الكفار إذا خوطبوا بهذا الخطاب :
﴿قالوا ربنا﴾ أي : أيها المحسن إلينا بما تقدم في دار الدنيا ﴿أمتنا اثنتين﴾ أي : إماتتين ﴿وأحييتنا اثنتين﴾ أي : إحيائتين، قال ابن عباس وقتادة والضحاك : كانوا أمواتاً في أصلاب آبائهم فأحياهم الله تعالى في الدنيا ثم أماتهم الموتة الأولى التي لا بد منها ثم أحياهم للبعث يوم القيامة فهما موتتان وحياتان وهو كقوله تعالى :﴿كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم﴾ (البقرة : ٢٨)