٦٠٨
أي : شديد البرد والصوت والعصوف حتى كانت تجهد البدن ببردها فتكون كأنها تصره أي : تجمعه في موضع واحد فتمنعه التصرف بقوتها وتقطع القلب بصوتها فتقهر شجاعته وتمحق بشدة بردها كل ما مرت عليه، وقوله تعالى :﴿في أيام نحسات﴾ أي : مشؤومات جمع نحسة، وقرأ ابن عامر والكوفيون بكسر الحاء من نحس، نحساً نقيض سعد سعداً فهو نحس والباقون بسكونها فهو إما مخفف نحس أو صفة على فعل أو وصف بمصدر قال الضحاك : أمسك الله تعالى عنهم المطر ثلاث سنين وكانت الريح عليهم من غير مطر، روي أن الأيام كانت آخر شوال من الأربعاء إلى الأربعاء قال البيضاوي : وما عذب قوم إلا في يوم الأربعاء.
وعن عبد الله بن عباس أنه قال : الرياح ثمان : أربع منها عذاب : وهي العاصفة والصرصر والعقيم والقاصف، وأربع منها رحمة : وهي المبشرات والناشرات والمرسلات والذاريات، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن الله تعالى ما أرسل على عاد من الريح إلا قدر خاتمي، وفعلنا ذلك بهم ﴿لنذيقهم عذاب الخزي﴾ أي : الذل والهوان ﴿في الحياة الدنيا﴾ كما استكبروا في الأرض بغير الحق فيذبلوا عند من تعظموا عليه في الدار التي اغتروا بها فتعظموا فيها، فإن ذلك أدل على القدرة عند من تقيد بالوهم ﴿ولعذاب الآخرة﴾ أي : الذي أعد للمتكبرين في الآخرة بغير الحق ﴿أخزى﴾ أي : أشد إهانة، وهو في الأصل صفة المعذب، وإنما وصف به العذاب على الإسناد المجازي للمبالغة ﴿وهم لا ينصرون﴾ أي : لا يوجد ولا يتجدد لهم نصر أبداً بوجه من الوجوه.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٦٠٥
ولما أنهى تعالى أمر صاعقة عاد، شرع في بيان صاعقة ثمود فقال تعالى :
﴿وأما ثمود﴾ وهم قوم صالح عليه السلام ﴿فهديناهم﴾ أي : بينا لهم طريق الهدى من أنا قادرون على البعث وعلى كل شيء فلا شريك لنا، وكان بيان ذلك بالناقة غاية البيان فأبصروا ذلك بأبصارهم التي هي سبب إبصار بصائرهم غاية الإبصار، فكرهوا ذلك لما يلزمه من تركهم طريق آبائهم وأقبلوا على لزوم طريق آبائهم ﴿فاستحبوا﴾ أي : اختاروا ﴿العمى﴾ أي : الكفر ﴿على الهدى﴾ أي : الإيمان، قال القشيري قيل : إنهم آمنوا وصدقوا ثم ارتدوا وكذبوا فأجراهم مجرى إخوانهم في الاستبدال.
فإن قيل : أليس معنى هديته حصلت فيه الهدى والدليل عليه قولك : هديته فاهتدى، وبمعنى تحصيل البغية وحصولها كما تقول ردعته فارتدع، فكيف ساغ استعماله في الدلالة المجردة ؟
أجيب : بأنه لما مكنهم وأزاح عللهم ولم يبق لهم عذراً ولا علة فكأنه حصل البغية فيهم بتحصيل ما يوجبها ويقتضيها.
﴿فأخذتهم صاعقة العذاب﴾ أي : بسبب ذلك أخذ قهر وهوان ﴿الهون﴾ أي : ذي الهوان وهو الذي يهينهم ﴿بما كانوا﴾ أي : دائماً ﴿يكسبون﴾ أي : من شركهم وتكذيبهم صالحاً عليه السلام.
ولما أنهى الله تعالى الخبر عن الكافرين من الفريقين أتبعه الخبر عن مؤمنيهم بشارة لمن اتبع النبي ﷺ ونذارة لمن صد عنه فقال تعالى :
﴿ونجينا﴾ أي : تنجية عظيمة بما لنا من القدرة ﴿الذين آمنوا﴾ أي : أوجدوا هذا الوصف من الفريقين ﴿وكانوا﴾ أي : كوناً عظيماً ﴿يتقون﴾ أي : يتجدد لهم هذا الوصف في كل حركة وسكون فلا يقدمون على شيء بغير دليل، فإن قيل : كيف يجوز للنبي ﷺ أن ينذر قومه مثل صاعقة عاد وثمود مع العلم بأن ذلك لا يقع في أمته، وقد صرح تعالى بذلك فقال عز من قائل :﴿وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم﴾ (الأنفال : ٣٣)
٦٠٩
وجاء في الحديث الصحيح "أن الله تعالى رفع عن هذه الأمة هذه الأنواع" ؟
أجيب : بأنهم لما عرفوا كونهم مشاركين لعاد وثمود في الكفر عرفوا كونهم مشاركين لعاد وثمود في استحقاق مثل تلك الصاعقة، وأن السبب الموجب للعذاب واحد وربما يكون العذاب النازل من جنس ذلك العذاب وإن كان أقل درجة وهذا القدر يكفي في التخويف.
ولما بين تعالى كيفية عقوبة أولئك الكفار في الدنيا أردفه ببيان كيفية عقوبتهم في الآخرة ليحصل تمام الاعتبار في الزجر والتحذير فقال تعالى :
﴿ويوم﴾ أي : واذكر يوم ﴿يحشر﴾ أي : يجمع بكره بأمر قاهر لا كلفة فيه ﴿أعداء الله﴾ أي : الملك الأعظم ﴿إلى النار﴾ وقرأ نافع بنون مفتوحة وضم الشين ونصب أعداء على البناء للفاعل وهو الله تعالى، والباقون بياء الغيبة مضمومة وفتح الشين على البناء للمفعول ورفع أعداء لقيامه مقام الفاعل، وجه الأول أنه معطوف على نجينا فحسن أن يكون على وفقه في اللفظ، ووجه الثاني موافقة قوله تعالى :﴿فهم﴾ أي : بسبب حشرهم ﴿يوزعون﴾ أي : يساقون ويدفعون إلى النار، وقال قتادة : يحبس أولهم على آخرهم ليتلاحقوا أي : يوقف سوابقهم حتى تصل إليهم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٦٠٥
ولما بين تعالى إهانتهم بالوزع بين غايتها بقوله تعالى :


الصفحة التالية
Icon