﴿قل﴾ أي : يا أفضل الخلق لهؤلاء البعداء البغضاء ﴿أولو﴾ أي : أتبغون ذلك ولو ﴿جئتم بأهدى﴾ أي : بأمر أعظم في الهداية وأوضح في الدلالة ﴿مما وجدتم﴾ أي : أيها المقتدون بالآباء ﴿عليه آباءكم﴾ أي : كما تضمن قولكم أنكم تقتفون في اتباعكم بالآثار في أعظم الأشياء وهو الدين الذي الخسارة فيه خسارة للنفس وأنتم تخالفونهم في أمر نفس الدنيا إذا وجدتم طريقاً أهدى في التصرف فيها من طريقتهم ولو أمراً يسيراً، ويفتخر أحدكم بأنه أدرك من ذلك ما لم يدرك أبوه فحصل من المال أكثر مما حصل فيا له من نظر ما أقصره ومتجر ما أخسره، وقرأ ابن عامر وحفص : قال بصيغة الماضي أي : قال المنذر أو الرسول وهو النبي ﷺ والباقون : قل بصيغة الأمر للنبي ﷺ ثم أجابوه بأن ﴿قالوا﴾ مؤكدين رداً لما قطع به كل عاقل سمع هذا الكلام من أنهم يبادرون النظر في الدليل والرجوع إلى سواء السبيل ﴿إنا بما أرسلتم به﴾ أي : أنت ومن قبلك ﴿كافرون﴾ أي : ساترون لما ظهر من ذلك جهدنا حتى لا يظهر لأحد ولا يتبعكم فيه مخلوق وإن كان أهدى مما كان عليه آباؤنا فعند هذا لم يبق لهم عذر فلهذا قال تعالى :
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٦٦٢
فانتقمنا﴾
أي : بما لنا من العظمة التي استحقوا بها ﴿منهم﴾ فأهلكناهم بعذاب الاستئصال ثم عظم أمر النقمة بالأمر بالنظر فيها في قوله :﴿فانظر﴾ يا أفضل الرسل ﴿كيف كان عاقبة﴾ أي : آخر أمر ﴿المكذبين﴾ لرسلنا فإنهم أهلكوا أجمعون ونجا المؤمنون أجمعون فليحذر من رد رسالتك من مثل ذلك، وهذا تهديد عظيم لكفار قريش. ثم بين تعالى وجهاً آخر يدل على فساد التقليد بقوله تعالى :
﴿وإذ﴾ أي : واذكر يا أفضل الخلق إذ ﴿قال إبراهيم﴾ أي : الذي هو أعظم آبائهم ومحط فخرهم والمجمع على محبته وحقية دينه منهم ومن أهل الكتاب وغيرهم ﴿لأبيه﴾ من غير أن يقلده كما قلدتم أنتم آباءكم ﴿وقومه﴾ الذين كانوا هم القوم في الحقيقة لاحتوائهم على ملك جميع الأرض ﴿إنني براء﴾ أي : بريء ﴿مما تعبدون﴾ أي : في الحال والاستقبال.
﴿إلا الذي فطرني﴾ أي : خلقني ﴿فإنه سيهدين﴾ أي : يرشدني لدينه ويوفقني لطاعته.
تنبيه : في هذا الاستثناء أوجه ؛ أحدها : أنه استثناء منقطع لأنهم كانوا عبدة أصنام فقط، ثانيها : أنه متصل لأنه روي أنهم كانوا يشركون مع الباري غيره، ثالثها : أن تكون إلا صفة بمعنى غير على أن تكون ما نكرة موصوفة قاله الزمخشري. قال أبو حيان : وإنما أخرجها في هذا الوجه عن كونها موصولة لأنه يرى أن إلا بمعنى غير لا يوصف بها إلا النكرة وفيها خلاف، وعلى هذا يجوز أن تكون ما موصولة وإلا بمعنى غير صفة لها.
٦٦٣
﴿وجعلها﴾ أي : إبراهيم ﴿كملة﴾ أي : التوحيد المفهومة من قوله إنني إلى سيهدين ﴿باقية في عقبه﴾ أي : ذريته فلا يزال فيهم من يوحد الله تعالى لأنه عليه السلام مجاب الدعوة وقال :﴿ومن ذريتي﴾ (إبراهيم : ٤٠)
﴿ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم﴾ (البقرة : ١٢٩)
﴿لعلهم﴾ أي : أهل مكة ﴿يرجعون﴾ عما هم عليه إلى دين أبيهم فإنهم إذا ذكروا أن أباهم الأعظم الذي بنى لهم البيت وأورثهم الفخر قال ذلك تابعوه قال الله تعالى :
﴿بل متعت هؤلاء﴾ أي : الذين بحضرتك من المشكرين وأعداء الدين ﴿وآياتهم﴾ أي : مددت لهم في الأعمار مع إسباغ النعم وسلامة الأبدان من البلايا والنقم ولم أعاجلهم بالعقوبة فأبطرتهم نعمتي، وتمادى بهم ركوب ذلك الباطل ﴿حتى جاءهم الحق﴾ أي : القرآن ﴿ورسول مبين﴾ أي : مظهر لهم الأحكام الشرعية وهو محمد صلى الله عليه وسلم
﴿ولما جاءهم الحق﴾ أي : الكامل في حقيقته بمطابقة الواقع إياها من غير إلباس ولا اشتباه وهو القرآن العظيم ﴿قالوا﴾ مكابرة وعناداً وحسداً من غير وقفة ولا تأمل ﴿هذا﴾ مشيرين إلى الحق الذي يطابقه الواقع فلا شيء أثبت منه وهو القرآن الكريم ﴿سحر﴾ أي : خيال لا حقيقة له ﴿وإنا به كافرون﴾ أي : عريقون في ستره بخصوصه حتى لا يعرفه أحد ولا يكون له تابع. ثم ذكر تعالى نوعاً آخر من كفرهم بقوله تعالى :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٦٦٢


الصفحة التالية
Icon