أي : ما ﴿هذا﴾ أي : الذي جئتنا به ﴿إلا خلق الأولين﴾ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة بضم الخاء واللام أي : ما هذا الذي نحن فيه إلاعادة الأولين في حياة ناس وموت آخرين وعافية قوم وبلاء آخرين، وقرأ الباقون بضم الخاء وسكون اللام أي : ما هذا إلا كذب الأولين.
﴿وما نحن بمعذبين﴾ أي : على ما نحن عليه لأنا أهل قوة وشجاعة ونجدة وبلاغة وبراعة، لما تضمن هذا التكذيب تسبب عنه قوله تعالى :
﴿فكذبوه﴾ ثم تسبب عن تكذيبهم قوله تعالى :﴿فأهلكناهم﴾ أي : في الدنيا بريح صرصر، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في سورة الحاقة ﴿إن في ذلك﴾ أي : الإهلاك في كل قرن للمكذبين والإنجاء للمصدقين ﴿لآية﴾ أي : عظيمة لمن بعدهم على أنه تعالى فاعل ذلك وحده وأنه مع أوليائه ومن كان معه لا يذلّ وأنه على أعدائه ومن كان عليه لا يعز ﴿وما كان أكثرهم﴾ أي : أكثر من كان بعدهم ﴿مؤمنين﴾ أي : فلا تحزن أنت يا أشرف الرسل على من أعرض عن الإيمان.
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٦٧
وإن ربك﴾
أي : المحسن إليك بإرسالك وغيره من النعم ﴿لهو العزيز﴾ في انتقامه ممن عصاه ﴿الرحيم﴾ في إنعامه وإكرامه وإحسانه مع عصيانه وكفرانه وإرسال المرسلين وتأييدهم بالآيات المعجزة.
٦٧
ثم أتبع قصة هود عليه السلام قصة صالح عليه السلام وهي القصة الخامسة بقوله تعالى :
﴿كذبت ثمود﴾ وهم أهل الحجر ﴿المرسلين﴾ وقرأ نافع وابن كثير وعاصم بإظهار المثناة عند المثلثة، والباقون بالإدغام وأشار تعالى إلى زيادة التسلية بمفاجأتهم بالتكذيب من غير تأمل ولا توقف بقوله تعالى :
﴿إذ﴾ أي : حين ﴿قال لهم أخوهم﴾ أي : في النسب لا في الدين ﴿صالح﴾ بصيغة العرض تأدباً معهم وتلطفاً بهم كقول من تقدم قبله ﴿ألا تتقون﴾ الله، ثم علل ذلك بقوله :
﴿إني لكم رسول﴾ من رب العالمين فلذلك عرضت عليكم هذا لأني مأمور بذلك ﴿أمين﴾ في جميع ما أرسلت به إليكم من خالقكم الذي لا أحد أرحم منه بكم، ثم تسبب عن قوله :﴿إني لكم رسول﴾ قوله :
﴿فاتقوا الله﴾ أي : الذي له الغنى المطلق ﴿وأطيعون﴾ فيما أتيت به من عند الله، ثم نفى عنه ما فديتموهم ممن لا عقل له بقوله :
﴿وما أسألكم عليه﴾ أي : ما جئتكم به، وأغرق في النفي بقوله ﴿من أجر﴾ ثم زاد في تأكيد هذا النفي بقوله :﴿إن﴾ أي : ما ﴿أجري﴾ على أحد ﴿إلا على رب العالمين﴾ فهو المتفضل المنعم على خلقه، ثم شرع ينكر عليهم أكل خيره وعبادة غيره بقوله :
﴿أتتركون﴾ أي : من أيدى النوائب التي لا يقدر عليها إلا الله تعالى ﴿في ما ههنا﴾ أي : في بلادكم هذه من النعم حالة كونكم ﴿آمنين﴾ لا تخافون وأنتم تبارزون الملك القهار بالعظائم.
فائدة : تكتب في ما ههنا في مقطوعة عن ما، ثم فسر ما أجمله بقوله :
﴿في جنات﴾ أي : بساتين تستر الداخل فيها وتخفيه لكثرة أشجارها ﴿وعيون﴾ تسقيها من مالها من البهجة وغير ذلك من المنافع.
﴿وزروع﴾ أي : من سائر الأنواع ﴿ونخل طلعها﴾ أي : ما يطلع منها من الثمر ﴿هضيم﴾ قال ابن عباس : هو اللطيف، ومنه قوله : كشح هضيم، وقيل : هو الجواد الكريم من قولهم : يد هضوم إذا كانت تجود بما لديها، وقال أهل المعاني هو المنضم بعضه إلى بعض في وعائه قبل أن يظهر، والطلع : عنقود الثمر قبل خروجه من الكمّ، وقال الزمخشري : الطلع هو الذي يطلع من النخلة كنصل السيف في جوفه شماريخ القنو والقنوهر اسم للخارج من الجذع كما هو بعرجونه.
فإن قيل : لم قال ونخل بعد قوله :﴿في جنات﴾ والجنة تتناول النخل أول شيء كما يتناول النعم الإبل كذلك من بين الأزواج حتى إنهم ليذكرون الجنة ولا يقصدون إلا النخيل كما يذكرون النعم ولا يريدون إلا الإبل قال زهير :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٦٧
تسقى جنة سحقاً*
وسحقاً : جمع سحوق، ولا يوصف به إلا النخل ؟
أجيب : بوجهين : أحدهما : أنه خص النخل بإفراده بعد دخوله في جملة سائر الشجر تنبيهاً على انفراده عنها بفضله عليها، الثاني : أن
٦٨
يريد بالجنات غيرها من الشجر لأنّ اللفظ يصلح لذلك ثم يعطف عليها النخل، ولما ذكر ما أنعم الله تعالى به عليهم أتبعه أفعالهم الخبيثة بقوله :
﴿وتنحتون﴾ أي : والحال أنكم تنحتون إظهاراً للقدرة ﴿من الجبال﴾ وقرأ ﴿بيوتاً﴾ ورش وأبو عمرو وحفص بضم الباء، والباقون بكسرها، وقرأ ﴿فرهين﴾ ابن عامر والكوفيون بألف بعد الفاء، أي : حاذقين، وقرأ الباقون بغير ألف، أي : بطرين لا لحاجتكم إلى شيء من ذلك.
﴿فاتقوا﴾ أي : فتسبب عن ذلك. أني أقول لكم اتقوا ﴿الله﴾ الذي له جميع العظمة بأن تجعلوا بينكم وبين عذابه وقاية باتباع أوامره واجتناب زواجره ﴿وأطيعون﴾ أي : في كل ما أمرتكم به عنه فإني لا آمركم إلا بما يصلحكم.
﴿ولا تطيعوا أمر المسرفين﴾ أي : المجاوزين للحدود، وقال ابن عباس : المشركين، وقال مقاتل : هم التسعة الذين عقروا الناقة.


الصفحة التالية
Icon