عنهم القحط ﴿قليلاً﴾ أي : زمناً يسيراً، قيل : إلى يوم بدر، وقيل : ما بقي من أعمارهم ﴿إنكم عائدون﴾ أي : ثابت عودكم عقب كشفنا عنكم إلى الكفران لما في جبلاتكم من العوج وطبائعكم من المبادرة إلى الزلل، فإيمانكم هذا الذي أخبرتم برسوخه عرض زائل وخيال باطل وقوله تعالى :
﴿يوم نبطش﴾ أي : بما لنا من العظمة ﴿البطشة الكبرى﴾ أي : يوم بدر منصوب باذكر أو بدل من يوم تأتي، والبطش : الأخذ بقوة ﴿إنا منتقمون﴾ أي : منهم في ذلك اليوم وهو قول ابن عباس وأكثر العلماء وفي رواية عن ابن عباس : أنه يوم القيامة.
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٦٨٤
ولقد فتنا﴾
أي : اختبرنا بما لنا من العظمة فعل الفاتن وهو المختبر الذي يريد أن يعلم حقيقة الحال بالإبلاء والتمكين ثم الإرسال ﴿قبلهم﴾ أي : هؤلاء العرب ليكون ما مضى من خبرهم عبرة لهم ﴿قوم فرعون﴾ أي : مع فرعون لأن ما كان فتنة لقومه كان فتنة له لأن الكبير أرسخ في الفتنة بما أحاط به من الدنيا وسيأتي التصريح به في آخر القصة ﴿وجاءهم﴾ أي : فرعون وقومه زيادة في فتنتهم ﴿رسول كريم﴾ هو موسى عليه السلام قال الكلبي : كريم على ربه بمعنى أنه تعالى أعطاه أنواعاً كثيرة من الإكرام، وقال مقاتل : حسن الخلق، وقال الفراء : يقال فلان كريم قومه، قيل : ما بعث نبي إلا من أشراف قومه وأكرمهم ثم فسر ما بلغهم من الرسالة بقوله :
﴿أن أدوا إلي﴾ ما أدعوكم إليه من الإيمان أي : أظهروا طاعتكم بالإيمان لي يا ﴿عباد الله﴾ أو أطلقوا بني إسرائيل ولا تعذبوهم وأرسلوهم معي كقوله ﴿فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم﴾ (طه : ٤٧)
﴿إني لكم﴾ أي : خاصة بسبب ذلك ﴿رسول﴾ أي : من عند الله الذي لا تكون الرسالة الكاملة إلا منه ﴿أمين﴾ أي : بالغ الأمانة لأن الملك الديان لا يرسل إلا من كان كذلك وقوله عليه السلام :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٦٨٤
﴿وأن لا تعلوا﴾ معطوف على أنّ الأولى وأَنْ هذه مقطوعة في الرسم، والمعنى لا تتكبروا ﴿على الله﴾ تعالى بإهانة وحيه ورسوله ﴿إني آتيكم بسلطان﴾ أي : برهان ﴿مبين﴾ أي : بين على رسالتي فتوعدوه حين قال لهم ذلك بالرجم فقال :
﴿وإني عذت﴾ أي : اعتصمت وامتنعت ﴿بربي﴾ الذي رباني على ما اقتضاه لطفه وإحسانه إلي ﴿وربكم﴾ الذي أعاذني من تكبركم وقوة مكَّنتكم ﴿أن ترجمون﴾ أي : أن يتجدد في وقت من الأوقات قتل منكم لي فإني قلت : إني أخاف أن يقتلون فقال
٦٩٠
تعالى ﴿سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطاناً فلا يصلون إليكما بآياتنا﴾ (القصص : ٣٥)
فمن أعظم آياتي أن لا تصلوا مع قوتكم وكثرتكم إلى قتلي مع أنه لا قوة لي بغير الله الذي أرسلني، وقال ابن عباس : أن ترجمون بالقول وهو الشتم وتقولوا : هو ساحر، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي عذت بإدغام الذال في التاء، والباقون بالإظهار، وقرأ ورش بإثبات الياء بعد النون في ترجمون في الوصل دون الوقف، والباقون بغير ياء وقفاً وصلاً وكذلك فاعتزلون الآتي.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٦٩٠
ولما كان التقدير فإن آمنتم بذلك وسلمتم لي أفلحتم عطف عليه قوله تعالى :
﴿وإن لم تؤمنوا لي﴾ أي : تصدقوا لأجل ما أخبرتكم به ﴿فاعتزلون﴾ أي : كونوا بمعزل مني لا عليّ ولا ليّ فلا تتعرضوا إلي بسوء فإنه ليس جزاء دعائكم إلى ما فيه فَلا حُكم، والفاء في قوله تعالى :
﴿فدعا﴾ تدل على أنه متصل بمحذوف قبله وتأويله أنهم كفروا ولم يرضوا فدعا موسى عليه السلام ﴿ربه﴾ الذي أحسن إليه سياسته وسياسة قومه ثم فسر ما دعا بقوله :﴿أن هؤلاء﴾ أي : الحقيرين الأذلين الأرذلين ﴿قوم﴾ لهم قوة على القيام فيما يحاولونه ﴿مجرمون﴾ أي : موصوفون بالعراقة في قطع ما أمرت به أن يوصل، فإن قيل : الكفر أعظم حالاً من الجرم فما السبب في أنه جعل الكفار مجرمين حين أراد المبالغة في ذمهم ؟
أجيب : بأن الكافر قد يكون عدلاً في دينه وقد يكون فاسقاً في دينه والفاسق في دينه، أخس الناس. ثم تسبب عن دعائه لأنه ممن يستجاب دعاؤه قوله تعالى :
﴿فأسر بعبادي﴾ أي : بني إسرائيل الذين أرسلناك لإسعادهم باستنقاذهم ممن يظلمهم وتفريغهم لعبادتي وقوله تعالى :﴿ليلاً﴾ نصب على الظرفية، والإسراء : سير الليل، فذكر الليل تأكيد بغير اللفظ وإنما أمره بالسير بالليل لأنه أوقع بالقبط موت الإبكار ليلاً فأمر موسى أن يخرج بقومه في ذلك الوقت خوفاً من أن يموتوا مع القبط.


الصفحة التالية
Icon