وروى أنس بن مالك عن النبي ﷺ أنه قال :"ما من مسلم إلا وله في السماء بابان باب يخرج منه رزقه وباب يدخل منه عمله فإذا مات وفقداه بكيا عليه وتلا هذه الآية". وقال علي رضي الله عنه : إن المؤمن إذا مات بكى عليه مصلاه من الأرض ومصعد عمله من السماء. وعن الحسن : فما بكى عليهم الملائكة والمؤمنون بل كانوا بهلاكهم مسرورين يعني فما بكى عليهم أهل السماء وأهل الأرض. وقال عطاء : بكاء السماء حمرة أطرافها، وقال السدي : لما قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما : بكت عليه السماء وبكاؤها حمرتها، وقرأ أبو عمرو عليهم في الوصل بكسر الهاء والميم، وحمزة والكسائي بضمهما، والباقون : بكسر الهاء وضم الميم وأما الوقف فحمزة بضم الهاء والباقون بالكسر ﴿وما كانوا منظرين﴾ أي : لما جاء وقت هلاكهم لم يمهلوا إلى وقت آخر لتوبة وتدارك تقصير.
ولما كان إنقاذ بني إسرائيل من القبط أمراً باهراً لا يكاد يصدق فضلاً عن أن يكون بإهلاك أعدائهم، أكد سبحانه الأخبار بذلك إشارة إلى ما يحق له من العظمة تنبيها على أنه قادر أن يفعل بهذا النبي ﷺ وأتباعه كذلك وإن كانت قريش يرون ذلك محالاً وأنهم في قبضتهم فقال تعالى :
﴿ولقد نجينا﴾ أي : بما لنا من العظمة تنجية عظيمة ﴿بني إسرائيل﴾ بعبدنا المخلص لنا ﴿من العذاب المهين﴾ أي : من استعباد فرعون وقتله أبناءهم وقوله تعالى :
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٦٩٠
من فرعون﴾
بدل من العذاب على حذف المضاف، أو جعله عذاباً لإفراطه في التعذيب، أو حال من المهين أي : واقعاً من جهته ﴿إنه كان عالياً﴾ أي : في جبلته العراقة في العلو ﴿من المسرفين﴾ أي : العريقين في مجاوزة الحدود.
﴿ولقد اخترناهم﴾ أي : بني إسرائيل بما لنا من العظمة ﴿على علم﴾ أي : عالمين بأنهم أحقاء بأن يختاروا ويجوز أن يكون المعنى مع علم منا بأنهم يزيغون ويفرط منهم الفرطات في بعض الأحوال. ثم بين المفضل عليه بعد أن بين المفضل بقوله تعالى :﴿على العالمين﴾ أي : الموجودين في زمانهم بما أنزلنا عليهم من الكتب وأرسلنا إليهم من الرسل، وقيل : على الناس
٦٩٣
جميعاً لكثرة الأنبياء منهم، وقيل : عام دخله التخصص ثم بين آثار الاختيار بقوله تعالى :
﴿وآتيناهم﴾ أي : على ما لنا من العظمة ﴿من الآيات﴾ أي : العلامات الدالة على عظمتنا واختيارنا لهم من حين أتى موسى عبدنا عليه السلام فرعون إلى أن فارقهم بالوفاة وبعد وفاته على أيدي الأنبياء المقررين للشريعة عليهم السلام ﴿ما فيه بلاء﴾ أي : اختبار مثله يميل من ينظره أو يسمعه إلى غير ما كان عليه، وذلك بفرق البحر وتظليل الغمام وإنزال المن والسلوى وغير ذلك مما رأوه من الآيات التسع ﴿مبين﴾ أي : بين في نفسه موضح لغيره.
﴿إن هؤلاء﴾ إشارة إلى كفار قريش لأن الكلام فيهم وقصة فرعون وقومه مسوقة للدلالة على أنهم مثلهم في الإصرار على الضلالة والإنذار على مثل ما حل بهم ﴿ليقولون﴾ أي : بعد قيام الحجة البالغة عليهم مبالغين في الإنكار.
﴿أن﴾ أي : ما ﴿هي﴾ وقولهم ﴿إلا موتتنا﴾ على حذف مضاف أي : ما الحياة إلا حياة موتتنا ﴿الأولى﴾ التي كانت قبل نفخ الروح كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الجاثية ﴿إن هي إلا حياتنا الدنيا﴾ (الأنعام : ٢٩)
وقال الجلال المحلي : إن هي ما الموتة التي بعدها الحياة إلا موتتنا الأولى أي : وهم نطف، وقرأ حمزة والكسائي بالإمالة محضة وأبو عمرو بين بين، وورش بالفتح وبين اللفظين والباقون بالفتح ﴿وما نحن بمنشرين﴾ أي : بمبعوثين بحيث نصير ذوي حركة اختيارية ننتشر بها بعد الموت، يقال : نشره وأنشره أحياه ثم احتجوا على نفي الحشر والنشر بقولهم :
﴿فأتوا﴾ أي : أيها الزاعمون أنا نبعث بعد الموت ﴿بآبائنا﴾ أي : لكوننا نعرفهم ونعرف وفور عقولهم ﴿إن كنتم صادقين﴾ أي : ثابتاً صدقكم في أنا نبعث يوم القيامة أحياء بعد الموت ثم خوفهم الله تعالى بمثل عذاب الأمم الخالية فقال تعالى :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٦٩٠


الصفحة التالية
Icon