*إن الهوى لهو الهوان بعينه ** فإذا هويت فقد لقيت هوانا*
﴿وأضله الله﴾ أي : بما له من الإحاطة ﴿على علم﴾ منه تعالى أي : عالماً بأنه من أهل الضلالة قبل خلقه ﴿وختم﴾ زيادة على الإضلال الخاص ﴿على سمعه﴾ فلا فهم له في الآيات المسموعة ﴿وقلبه﴾ أي : فهو لا يعي ما فى حقه وعيه ﴿وجعل على بصره غشاوة﴾ أي : ظلمة فلا يبصر الهوى ويقدر هنا المفعول الثاني لرأيت أي : أيهتدي، وقرأ حمزة والكسائي بفتح الغين وسكون الشين، والباقون بكسر الغين وفتح الشين وألف بعد الشين وإذا صار بهذه المثابة ﴿فمن يهديه﴾ وأشار تعالى إلى قدرته عليه بقوله سبحانه وتعالى ﴿من بعد الله﴾ أي : إن أراد الله إضلاله الذي له الإحاطة بكل شيء أي : لا يهتدي ﴿أفلا تذكرون﴾ أي : ألم يكن لكم نوع تذكر فتتعظوا وفيه إدغام إحدى التاءين في الذال.
﴿وقالوا﴾ أي : في إنكارهم البعث مع اعترافهم بأنه تعالى قادر على كل شيء ﴿ما هي﴾ أي : الحياة ﴿إلا حياتنا﴾ أي : أيها الناس ﴿الدنيا﴾ أي : هذه التي نحن فيها ﴿نموت ونحيا﴾، فإن قيل : الحياة متقدمة على الموت في الدنيا فمنكروا القيامة كان يجب أن يقولوا : نحيا ونموت فما السبب في تقديم ذكر الموت على الحياة ؟
أجيب : من وجوه أولها : أن المراد بقولهم نموت أي : حال كونهم نطفاً في أصلاب الآباء وأرحام الأمهات وبقولهم ونحيا ما حصل بعد ذلك في الدنيا، ثانيها : نموت نحن ونحيا بسبب بقاء أولادنا، ثالثها : قال الزجاج : الواو للاجتماع والمعنى : يموت بعض ونحيا بعض، رابعها : قال الرازي : إنه تعالى قدم ذكر الحياة فقال ﴿إن هي إلا حياتنا الدنيا﴾ ثم قال بعده ﴿نموت ونحيا﴾ يعني أن تلك الحياة منها ما يطرأ عليها الموت وذلك في حق الذين ماتوا ومنها ما لا يطرأ عليه الموت بعد ذلك وهو في حق الأحياء الذين لم يموتوا بعد، وقال البيضاوي : يحتمل أنهم أرادوا به التناسخ أي : وهو أن روح الشخص إذا خرجت تنتقل إلى شخص آخر فيحيا بعد أن لم يكن فإنه عقيدة أكثر عبدة الأصنام ﴿وما يهلكنا﴾ أي : بعد الحياة ﴿إلا الدهر﴾ أي : مر الزمان الطويل بغلبته علينا وطول العمر واختلاف الليل والنهار من دهره إذا غلبه ﴿وما﴾ أي : قالوه والحال أنه ما ﴿لهم بذلك﴾ أي : المقول البعيد من الصواب وهو أنه لا حياة بعد هذه وأن الإهلاك منسوب إلى الدهر على أنه مؤثر بنفسه وأغرق في النفي فقال تعالى ﴿من علم﴾ أي : كثير ولا قليل ﴿إن﴾ أي : ما ﴿هم إلا يظنون﴾ أي : بقرينة أن الإنسان كلما تقدم في السن ضعف وأنه لم يرجع أحد من الموتى هذا ظنهم الفاسد.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٧٠٨
روى أبو هريرة أن رسول الله ﷺ قال :"قال الله تعالى : لا يقل ابن آدم يا خيبة الدهر فإني أنا الدهر أرسل الليل والنهار فإذا شئت قبضتهما". وعنه قال : قال رسول الله ﷺ "لا يسب أحدكم الدهر فإن الدهر هو الله تعالى ولا يقولن للعنب الكرم فإن الكرم هو الرجل المسلم".
٧٠٩
ومعنى الحديث أن العرب كان من شأنها ذم الدهر وسبُّه عند النوازل لأنهم كانوا ينسبون إليه ما يصيبهم من المصائب والمكاره فيقولون : أصابتهم قوارع الدهر وأبادهم الدهر كما أخبر الله تعالى عنهم فإذا أضافوا إلى الدهر ما نالهم من الشدائد سبوا فاعلها، فكان يرجع سبهم إلى الله تعالى إذ هو الفاعل في الحقيقة للأمور التي يضيفونها إلى الدهر فنهوا عن سبه.
﴿وإذا تتلى﴾ أي : تتابع بالقراءة من أي تال كان ﴿عليهم آياتنا﴾ أي : على ما لها من العظمة في نفسها وبالإضافة إلينا حال كونها ﴿بينات﴾ أي : في غاية المكنة في الدلالة على البعث فلا عذر لهم في ردها ﴿ما كان﴾ أي : بوجه من وجوه الكون ﴿حجتهم﴾ أي : قولهم الذي ساقوه مساق الحجة ﴿إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا﴾ أي : أحياء ﴿إن كنتم صادقين﴾ أي : في أنا نبعث فهو لا يستحق أن يسمى شبهة فسمي حجة بزعمهم أو لأن من كانت حجته هذه فليست له ألبتة حجة كقوله :
*تحية بينهم ضرب وجيع*
ثم إن الله تعالى أمر نبيه ﷺ أن يجيبهم بقوله تعالى :
﴿قل الله﴾ أي : المحيط علماً وقدرة ﴿يحييكم﴾ أي : حين كنتم نطفاً ﴿ثم يميتكم﴾ أي : بأن يخرج أرواحكم من أجسادكم فتكونون كما كنتم قبل الإحياء كما تشاهدون ﴿ثم يجمعكم﴾ أي : بعد التمزق فيعيد فيكم أرواحكم كما كانت بعد طول مدة الرقاد منتهين ﴿إلى يوم القيامة﴾ أي : القيام الأعظم لكونه عاماً لجميع الخلائق ﴿لا ريب﴾ أي : لا شك بوجه من الوجوه ﴿فيه﴾ بل هو معلوم علماً قطعياً ضرورياً ﴿ولكن أكثر الناس﴾ أي : وهم القائلون ما ذكر ﴿لا يعلمون﴾ أي : لا يتجدد لهم علم لما لهم من النفوس والتردد والسفول عن أوج العقل إلى حضيض الجهل فهم واقفون مع المحسوسات لا يلوح لهم ذلك مع ما له من الظهور وقوله تعالى :


الصفحة التالية
Icon