وإن ربك} وحده ﴿لهو العزيز﴾ أي : في بطشه لأعدائه ﴿الرحيم﴾ في لطفه بأوليائه.
ثم أتبع قصة لوط عليه السلام بقصة شعيب عليه السلام وهي القصة السابعة قال تعالى :
﴿كذب أصحاب الأيكة﴾ أي : الغيضة ذات الأرض الجيدة التي تبتلع الماء فتنبت الشجر الكثير الملتف ﴿المرسلين﴾ لتكذيبهم شعيباً عليه السلام فيما أتى به من المعجزة المساوية في خرق العادة وعجز المتحدين بها عن مقاومتها لبقية المعجزات الآتي بها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر لَيكة بلام مفتوحة من غير ألف وصل وياء ساكنة ولا همزة قبلها وفتح تاء التأنيث، والباقون بإسكان اللام وقبلها وصل وبعد اللام همزة مفتوحة بعدها ياء ساكنة وخفض تاء التأنيث، قال أبو عبيدة : وجدنا في بعض التفاسير الفرق بين ليكة والأيكة فقيل : ليكة هو اسم للقرية التي كانوا فيها، والأيكة : البلاد كلها فصار الفرق بينهما شبيهاً لما بين مكة وبكة، ثم بين تعالى وقت تكذيبهم بقوله تعالى :
﴿إذ﴾ أي : حين ﴿قال لهم شعيب﴾ برفق ولطف ﴿ألا تتقون﴾ الله الذي تفضل عليكم بنعمه ولم يقل أخوهم شعيب لأنه لم يكن من أهل الأيكة في النسب لأنهم كانوا أهل بدو وكان عليه السلام قروياً، لأنّ الله تعالى لم يرسل نبياً إلا من أهل القرى تشريفاً لهم، لأنّ البركة والحكمة في الاجتماع، ولذلك نهى النبي ﷺ عن التعرب بعد الهجرة وقال :"من يرد الله به خيراً ينقله من البادية إلى الحاضرة ولما ذكر مدين قال أخاهم شعيباً لأنه كان منهم وكان الله تعالى بعثه إلى قومه أهل مدين وأصحاب الأيكة، ثم أكد ما قاله بقوله :
﴿إني﴾ وأشار إلى تبشيرهم إن أطاعوه بقوله ﴿لكم رسول﴾ أي : من عند الله فهو أمرني أن أقول لكم ذلك ﴿أمين﴾ أي : لا خيانة عندي ولا غش فلذلك أبلغ جميع ما أرسلت به ولذلك تسبب عنه قوله :
﴿فاتقوا الله﴾ أي : المحسن إليكم بهذه الغيضة وغيرها ﴿وأطيعون﴾ لما ثبت من نصحي لكم، ثم ذكر ما ذكر من تقدّمه من الأنبياء من نفي ما يتوهم أنّ لهم رغبة في أجرة على دعائهم فقال :
﴿وما أسألكم عليه﴾ أي : دعائي لكم إلى الإيمان بالله تعالى ﴿من أجر﴾ ثم زاد في البراءة من الطمع في أحد من الخلق بقوله ﴿إن﴾ أي : ما ﴿أجري إلا على رب العالمين﴾ أي : المحسن إلى الخلائق كلهم فأنا لا أرجو أحداً سواه، ثم نصحهم بقوله :
﴿أوفوا الكيل﴾ أي : أتموه إتماماً لا شبهة فيه إذا كلتم كما توفونه إذا اكتلتم ﴿ولا تكونوا من المخسرين﴾ أي : الناقصين لحقوق الناس في الكيل والوزن كما قال
٧٢
تعالى :﴿ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون﴾ (المطففين : ١، ٢) أي : الكيل ﴿وإذا كالوهم﴾ (المطففين : ٢)
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٧٠
أي : كالوا لهم ﴿أو وزنوهم﴾ أي : وزنوا لهم ﴿يخسرون﴾ (المطففين : ٣)
ينقصون الكيل أو الوزن.
﴿وزنوا﴾ أي : لأنفسكم ولغيركم ﴿بالقسطاس﴾ أي : الميزان الأقوم وأكد معناه بقوله ﴿المستقيم﴾ وقيل : هو بالرومية العدل، وقرأ حمزة والكسائي وحفص بكسر القاف، والباقون بالضمّ.
تنبيه : الكيل على ثلاثة أضرب : واف، وطفيف، وزائد، فأمر بالواجب الذي هو الإيفاء بقوله تعالى :﴿أوفوا الكيل﴾ ونهى عن المحرم الذي هو التطفيف بقوله تعالى :﴿ولا تكونوا من المخسرين﴾
ولم يذكر الزائد لأنه إن فعله فقد أحسن وإن لم يفعله فلا إثم عليه، والوزن في ذلك كالكيل، ولهذا عمم في النهي عن النقص بقوله :
﴿ولا تبخسوا﴾ أي : تنقصوا ﴿الناس أشياءهم﴾ أي : في كيل أو وزن أو غير ذلك، ثم أتبع ذلك بما هو أعم بقوله ﴿ولا تعثوا﴾ أي : لا تنصرفوا ﴿في الأرض﴾ من غير تأمل حال كونكم ﴿مفسدين﴾ أي : في المال أو غير ذلك كقطع الطريق والقتل، ثم خوفهم بعد أن وعظهم ونهاهم عن الفساد من سطوة الجبار ما حل بمن هو أعظم منهم بقوله :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٧٠
﴿واتقوا الذي خلقكم﴾ أي : من نطفة فإعدامكم أهون شيء عليه وأشار إلى ضعفهم وقوة من كان قبلهم بقوله ﴿والجبلة﴾ أي : الجماعة والأمم ﴿الأولين﴾ الذين كانوا على خلقة وطبيعة عظيمة كأنها الجبال قوة وصلابة لا سيما قوم هود الذين بلغت بهم الشدة حتى قالوا من أشدّ منا قوّة، وقد أخذهم الله تعالى أخذ عزيز مقتدر، ثم إنهم أجابوه بالقدح في الرسالة أولاً : باستصغار الوعيد ثانياً : بأن.
﴿قالوا إنما أنت من المسحرين﴾ أي : الذين كرّر سحرهم مرّة بعد أخرى حتى اختلفوا فصار كلامهم على غير نظام، أو من المعللين بالطعام والشراب كما مضى في صالح عليه السلام أي : فأنت بعيد عن الصلاحية للرسالة، ثم أشاروا إلى عدم صلاحية البشر لها مطلقاً ولو كان أعقل الناس بقولهم :
﴿وما أنت إلا بشر مثلنا﴾ أي : فلا وجه لتخصيصك عنا بذلك وأتوا بالواو للدلالة على أنه جامع بين وصفين مناقضين منافيين
٧٣
للرسالة مبالغة في تكذيبه، ولهذا قالوا ﴿وإن نظنك لمن الكاذبين﴾ أي : في دعواك.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٧٣