وقال في أمّته ﴿وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون﴾ (الأنفال : ٣٣)
فأخبره الله تعالى بما يصنع به وبأمّته.
وأما من حمل الآية على أحوال الآخرة، فروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : لما نزلت هذه الآية، فرح المشركون والمنافقون واليهود. وقالوا : كيف نتبع نبياً لا يدري ما يفعل به ولا بنا ؟
فأنزل الله تعالى :﴿إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدّم من ذنبك وما تأخر﴾ إلى قوله تعالى :﴿وكان ذلك عند الله فوزاً عظيماً﴾ (الفتح : ٥)
فقالت الصحابة : هنيئاً لك يا رسول الله قد علمنا ما يفعل بك فما يفعل بنا ؟
فأنزل الله عز وجل :﴿ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار﴾ (سورة الفتح، آية : ٥)
الآية وأنزل :﴿وبشر المؤمنين بأنّ لهم من الله فضلاً كبيراً﴾ (الأحزاب : ٤٧)
فبين لهم ما يفعل به وبهم وبهذا قال أنس والحسن وعكرمة. وقالوا إنما قال هذا قبل أن يخبر بغفران ذنبه، لأنه إنما أخبر به عام الحديبية فنسخ ذلك.
٧١٨
قال الرازي : وأكثر المحققين استبعدوا هذا القول من وجهين ؛ أحدهما : أن النبي ﷺ لا بدّ وأن يعلم من نفسه ومتى علم كونه نبياً علم أنه لا تصدر عنه الكبائر، وأنه مغفور له وإذا كان كذلك امتنع كونه شاكاً في أنه هل هو مغفور له أو لا ثانيهما : أن الأنبياء أرفع حالاً من الأولياء وقد قال تعالى في حقهم ﴿إنّ الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾ (الأحقاف : ١٣)
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٧١٧
فكيف يعقل أن يبقى الرسول الذي هو رئيس الأنبياء وقدوة الأولياء شاكاً في أنه هل هو من المغفور لهم ؟
فثبت ضعف هذا القول.
﴿قل﴾ يا أفضل الخلق لهؤلاء المصرّين على التكذيب ﴿أرأيتم﴾ أي : أخبروني ﴿إن كان﴾ أي : هذا الذي أتيتكم به وهو القرآن ﴿من عند الله﴾ أي : الملك الأعظم. ﴿وكفرتم به﴾ أي : أيها المشركون ﴿وشهد شاهد﴾ واحد أو أكثر ﴿من بني إسرائيل﴾ أي : الذي جرت عادتكم أن تستفتوهم وتثقوا بهم ﴿على مثله﴾ أي : مثل ما في القرآن من أنّ من وحد فقد آمن ومن أشرك فقد كفر وأن الله تعالى أنزل ذلك في التوراة والإنجيل وجميع أسفارهم فتطابقت عليه كتبهم وتضافرت به رسلهم، وتواترت على الدعاء إليه والأمر به أنبياؤهم عليهم الصلاة والسلام ﴿فآمن﴾ أي : هذا الذي شهد هذه الشهادة ﴿واستكبرتم﴾ أي : أوجدتم الكبر بالإعراض عنه طالبين بذلك الرياسة والفخر، فكنتم بعد شهادة هذا الشاهد معاندين من غير شبهة فضللتم، فوضعتم الشيء في غير موضعه، فانسدّ عليكم باب الهداية.
واختلف في هذا الشاهد فقال قتادة والضحاك وأكثر المفسرين : هو عبد الله بن سلام شهد بنبوّة المصطفى ﷺ وآمن به، واستكبرت اليهود فلم يؤمنوا به. كما روى أنس قال : سمع عبد الله بن سلام بمقدم رسول الله ﷺ فأتاه فنظر إلى وجهه، فعلم أنه ليس وجه كذاب، وتأمّله فتحقق أنه النبيّ المنتظر، فقال له : إنّي سائلك عن ثلاث لا يعلمهنّ إلا نبي :"ما أوّل أشراط الساعة ؟
وما أوّل طعام أهل الجنة ؟
وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمّه ؟
فقال ﷺ أخبرني بهنّ جبريل آنفاً قال : جبريل ؟
قال : نعم قال : ذاك عدوّ اليهود من الملائكة فقرأ ﴿من كان عدوّاً لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله﴾ (سورة البقرة، آية : ٩٧)
ثم قال : أما أول أشراط الساعة، فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب. وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت. وأما الولد فإذا سبق ماء الرجل نزعه، وإذا سبق ماء المرأة نزعته. فقال : أشهد أنك لرسول الله حقاً. ثم قال : يا رسول الله إن اليهود قوم بهت وإن علموا بإسلامي قبل أن تسألهم عني بهتوني عندك فجاءت اليهود، فقال لهم النبيّ ﷺ أيّ رجل عبد الله فيكم ؟
فقالوا : خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا، وأعلمنا وابن أعلمنا، قال أفرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلام ؟
فقالوا : أعاذه اللّه من ذلك فخرج إليهم عبد اللّه فقال : أشهد أن لا إله إلا اللّه وأشهد أن محمداً رسول اللّه، فقالوا : شرّنا وابن شرّنا، وانتقصوه فقال : هذا ما كنت أخاف منه يا رسول الله. قال سعد بن أبي وقاص :"ما سمعت النبيّ ﷺ يقول لأحد يمشي على الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام ؟
وفيه نزلت هذه الآية ﴿وشهد شاهد من بني إسرائيل﴾ (الأحقاف : ١٠)
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٧١٧
وقيل : الشاهد هو موسى بن عمران قال الشعبي : قال
٧١٩


الصفحة التالية
Icon