جزء : ٣ رقم الصفحة : ٧٢١
تنبيه أصلح يتعدى بنفسه لقوله تعالى :﴿وأصلحنا له زوجه﴾ (الأنبياء : ٩٠)
وإنما تعدى بفي لتضمنه معنى ألطف بي في ذرّيتي، أو لأنه جعل الذرّية ظرفاً للإصلاح والمعنى : هب لي الصلاح في ذرّيتي وأوقعه فيهم.
﴿إني تبت﴾ أي : رجعت ﴿إليك﴾ عن كل ما يقدح في الإقبال عليك. وأكده إعلاماً بأنّ حاله في الإقبال على الشهوات حال من يبعد منه الإقلاع : فينكر إخباره به وكذا قوله :﴿وإني من المسلمين﴾ أي : الذين أسلموا بظواهرهم وبواطنهم فانقادوا أتمّ انقياد. ﴿أولئك﴾ أي : العالون الرتبة، القائلون هذا القول أبو بكر، وغيره.
﴿الذين يتقبل﴾ بأسهل وجه ﴿عنهم﴾ وأشار بصيغة التفعل إلى أنه يعمل في قبوله عمل المعتني، والتقبل من الله هو إيجاب الثواب له على عمله وقوله تعالى :﴿أحسن ما عملوا﴾ أي : أعمالهم الصالحة التي عملوها في الدنيا.
فإن قيل : كيف قال الله تعالى ﴿أحسن﴾ والله تعالى يتقبل الأحسن وما دونه ؟
أجيب بوجهين أحدهما : أنّ المراد بالأحسن الحسن، كقوله تعالى :﴿واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم﴾ (الزمر : ٥٥)
وكقوله : الناقص والأشج أعدلا بني مروان. أي : عادلا بني مروان.
ثانيهما : أنّ الحسن من الأعمال هو المباح الذي لا يتعلق به ثواب ولا عقاب. والأحسن ما يغاير ذلك، وهو المندوب، أو الواجب.
ولما كان الإنسان محل النقصان وإن كان محسناً، نبه على ذلك بقوله تعالى :
﴿ويتجاوز﴾ أي بوعد لا خلف فيه ﴿عن سيئاتهم﴾ أي : فلا يعاقبهم عليها. وقرأ حفص وحمزة والكسائي : بنون مفتوحة قبل الفوقية من ﴿يتقبل﴾ ونصب ﴿أحسن﴾، ونون مفتوحة قبل الفوقية من ﴿يتجاوز﴾ والباقون بياء مضمومة قبل الفوقية من ﴿يتقبل﴾، و﴿يتجاوز﴾ ورفع ﴿أحسن﴾ وقوله تعالى :
﴿في أصحاب الجنة﴾ في محل الحال أي : كائنين في جملة أصحاب الجنة. كقولك أكرمني الأمير في أصحابه أي : في جملتهم. وقيل : خبر مبتدأ مضمر أي : هم في أصحاب الجنة وقوله تعالى :﴿وعد الصدق﴾ مصدر مؤكد لمضمون الجملة السابقة لأنّ قوله تعالى :﴿أولئك الذين يتقبل عنهم﴾ في معنى الوعد. فيكون قوله تعالى :﴿يتقبل﴾، و﴿يتجاوز﴾ وعداً من الله تعالى لهم بالتقبل والتجاوز. والمعنى يعامل من صفته ما قدّمنا بهذا الجزاء. وذلك وعد من الله تعالى صدق، لكونه مطابقاً للواقع ﴿الذي كانوا يوعدون﴾ أي : يقع لهم الوعد به في الدنيا ممن لا أصدق منهم، وهم الرسل عليهم الصلاة والسلام حين أخبروا بقوله تعالى :﴿وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات﴾ (التوبة : ٧٢)
ولما وصف تعالى الولد البار بوالديه وصف الولد العاق لهما. بقوله تعالى :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٧٢١
والمراد به الجنس. وقال ابن عباس والسدي : نزلت في عبد الله بن أبيّ.
٧٢٣
وقيل : في عبد الرحمن بن أبي بكر قبل إسلامه ؛ كان أبواه يدعوانه إلى الإسلام، وهو يأبى، وهو ﴿قوله أف لكما﴾ وقال الحسن وقتادة : إنها نزلت في كل كافر عاق لوالديه وعلى ثبوت أنها نزلت فيمن تقدم، لا ينافي أن المراد الجنس، فإنّ خصوص السبب لا يوجب التخصيص وفي ﴿أف﴾ قراءات ذكرت في سورة بني إسرائيل ﴿أتعدانني﴾ أي : على سبيل الاستمرار والتجديد في كل وقت وقرأ هشام بإدغام النون الأولى في الثانية وفتح الياء نافع وابن كثير وسكنها الباقون. ﴿أن أخرج﴾ أي : من مخرج يخرجني من الأرض بعد أن غبت فيها وصرت تراباً يحييني كما كنت أوّل مرّة ﴿وقد﴾ أي : والحال أنه قد ﴿خلت﴾ أي : مضت على سنن الموتى ﴿القرون﴾ أي : الأمم الكثيرة مع صلابتهم ﴿من قبلي﴾ أي : قرناً بعد قرن، وتطاولت الأزمان، ولم يخرج منهم أحد من القبور ﴿وهما﴾ أي : والحال أنهما كلما قال لهما ذلك ﴿يستغيثان الله﴾ أي : يطلبان بدعائهما من له جميع صفات الكمال أن يغيثهما بإلهامه قبول كلامهما ويقولان إن لم ترجع ﴿ويلك﴾ أي : هلاكك بمعنى : هلكت ﴿آمن﴾ أي : أوقع الإيمان الذي لا إيمان غيره، وهو الذي ينقذ من كل هلكة، ويوجب كل فوز، بالتصديق بالبعث وبكل ما جاء عن الله تعالى. ثم علّلا أمرهما على هذا الوجه مؤكدين في مقابلة إنكاره بقولهما :﴿إنّ وعد الله﴾ أي : الملك المحيط بجميع صفات الكمال حق أي : ثابت أعظم ثبات ؛ لأنه لو لم يكن حقاً لكان نقصاً من جهة الأخلاق الذي لا يرضاه لنفسه أقل الملوك. فكيف بملك الملوك ؟
﴿فيقول﴾ مسبباً عن قولهما ومعقباً له ﴿ما هذا﴾ أي : الذي تذكرانه من البعث ﴿إلا أساطير﴾ أي : أكاذيب ﴿الأوّلين﴾ التي كتبوها.
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٧٢٣
أولئك﴾
أي البعداء من العقل والمروءة وكل خير.


الصفحة التالية
Icon