وتنبيه : على إعجاز القرآن ونبوة محمد ﷺ وأنّ الإخبار عنها ممن لم يتعلمها لا يكون إلا وحياً من الله تعالى، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وحفص بتخفيف الزاي، والروح الأمين برفعهما والباقون بتشديد الزاي والروح الأمين بنصبهما.
فإن قيل : قال على قلبك وهو إنما نزل عليه ؟
أجيب : بأنه ذكر ليؤكد أن ذلك المنزل محفوظ والمرسول متمكن من قلبه لا يجوز عليه التغير ولأنّ القلب هو المخاطب في الحقيقة لأنه موضع التمييز والاختيار، وأمّا سائر الأعضاء فمسخرة له، ويدلّ على ذلك الكتاب والسنة والمعقول فمن الكتاب قوله تعالى :﴿نزل به الروح الأمين على قلبك﴾ واستحقاق الجزاء ليس إلا على ما في القلب قال الله تعالى :﴿لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم﴾ (البقرة : ٢٢٥)
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٧٣
ومن السنة قوله :ﷺ "ألا وإنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب" ومن المعقول أنّ القلب إذا غشي عليه وقطع سائر الأعضاء لم يحصل به الشعور وإذا أفاق القلب شعر بجميع ما ينزل بالأعضاء من الآفات وإذا فرح القلب أو حزن تغير حال الأعضاء عند ذلك، ولأنّ المعاني الروحانية إنما تنزل أوّلاً على الروح ثم تنتقل منه إلى القلب لما بينهما من التعلق، ثم تتصعد منه إلى الدماغ فينتقش منه لوح المخيلة.
ولما كان السياق في هذه السورة للتحذير قال تعالى معللاً للجملة التي قبله ﴿لتكون من المنذرين﴾ أي : المخوفين المحذرين لمن أعرض عن الإيمان وفعل ما نهى عنه من المعاصي
٧٥
وقوله تعالى :
﴿بلسان عربي﴾ يجوز أن يتعلق بالمنذرين فيكون المعنى لتكون من الذين أنذروا بهذا اللسان وهم خمسة : هود وصالح وشعيب وإسماعيل ومحمد ﷺ ويجوز أن يتعلق بنزل فيكون المعنى نزله باللسان العربي لينذر به لأنه لو نزله باللسان الأعجميّ لتجافوا عنه أصلاً ولقالوا ما نصنع بما لا نفهمه فيتعذر الإنذار به، قال ابن عباس : بلسان قرشيّ ليفهموا ما فيه، ولما كان في العربيّ ما قد يشكل على بعض العرب قال تعالى :﴿مبين﴾ أي : بين في نفسه كاشف لما يراد منه غير تارك لبساً عند من تدبره على ما يتعارفه العرب في مخاطباتها من سائر لغاتها بحقائقها ومجازاتها على اتساع إرادتها وتباعد مراميها في محاوراتها وحسن مقاصدها في كناياتها واستعاراتها ومن يحيط بذلك حق الإحاطة غير العليم الحكيم الخبير البصير، ولما كان الاستكثار من الأدلة مما يسكن النفوس وتطمئن به القلوب قال تعالى.
﴿وإنه﴾ أي : هذا القرآن أصوله وكثيراً من قصصه وأمّهات فروعه ﴿لفي زبر﴾ أي : كتب ﴿الأولين﴾ كالتوراة والإنجيل وقيل : وإنه أي : محمداً ونعته لفي كتب الأوّلين.
﴿أو لم يكن لهم﴾ أي : لكفار مكة ذلك ﴿آية﴾ أي : على صحة القرآن أو نبوّة محمد ﷺ وقرأ ابن عامر بالتاء الفوقية ورفع آية على أنها الاسم والخبر لهم، والباقون بالياء التحتية ونصب آية على أنها الاسم والخبر لهم، والباقون بالياء التحتية ونصب آية على أنها خبر وقوله تعالى ﴿أن يعلمه﴾ أي : هذا الذي يأتي به نبينا من عندنا هو اسمها ﴿علماء بني إسرائيل﴾ أي : يعرفوه بنعته المذكور في كتبهم، والمعنى أو لم يكن لهؤلاء المنكرين، علم بني إسرائيل علامة ودلالة على نبوّة محمد ﷺ لأنّ العلماء الذين كانوا من بني إسرائيل كانوا يخبرون بوجود ذكره في كتبهم كعبد الله بن سلام وابن يامين وثعلبة وأسد وأسيد، قال الله تعالى :﴿وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين﴾ (القصص : ٥٣)
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٧٣
قال ابن عباس : بعث أهل مكة إلى اليهود بالمدينة فسألوهم عن محمد ﷺ فقالوا : إنّ هذا لزمانه وإنا لنجد في التوراة نعته وصفته فكان ذلك آية على صدقه.
فائدة : خط في المصحف علماء بواو قبل الألف على لغة من يميل الألف إلى الواو، وعلى هذه اللغة كتبت الصلاة والزكاة والربا، قال الله تعالى :
﴿ولو نزلناه﴾ أي : القرآن على ما هو عليه من الحكمة والإعجاز ﴿على بعض الأعجمين﴾ أي : على رجل ليس بعربيّ اللسان أو بلغة العجم.
﴿فقرأه عليهم﴾ أي : كفار مكة ﴿ما كانوا به مؤمنين﴾ لفرط عنادهم واستكبارهم أو لعدم فهمهم واستنكافهم من اتباع العجم، وقالوا ما نفقه قولك وجعلوه عذراً بجحودهم، ونظيره ﴿ولو جعلنا قرآنا أعجمياً لقالوا لولا فصلت آياته﴾ (فصلت، ٤٤).
تنبيه : الأعجمين جمع أعجميّ بياء النسب على التخفيف بحذفها من الجمع ولكونه جمع أعجميّ جمع جمع سلامة لأنه حينئذ ليس من باب أفعل فعلاء بخلاف ما لو كان جمع أعجم فإنّ مؤنثه عجماء بوزن أفعل فعلاء وهو عند البصريين لا يجمع هذا الجمع إلا لضرورة كقوله :
*حلائل أسودين وأحمرين*
٧٦


الصفحة التالية
Icon