﴿ثم لنقولنّ﴾ أي : بعد إهلاك صالح ومن معه ﴿لوليه﴾ أي : المطالب بدمه إن بقي منهم أحد ﴿ما شهدنا﴾ أي : ما حضرنا ﴿مهلك﴾ أي : إهلاك ﴿أهله﴾ أي : أهل ذلك الولي فضلاً عن أن نكون باشرنا أو أهل صالح عليه السلام فضلاً عن أن نكون شهدنا مهلكه أو باشرنا قتله ولا موضع إهلاكه، وقرأ حمزة والكسائي بعد اللام من لنبيتنه بتاء فوقية مضمومة وبعد الياء التحتية بتاء فوقية مضمومة وبعد اللام من ليقولنّ بتاء فوقية مفتوحة وضمّ اللام بعد الواو، والباقون بعد اللام من لنقولنّ بنون مفتوحة ونصب اللام من لنقولنّ، وقرأ عاصم مهلك بفتح الميم، والباقون بضمها، وكسر اللام حفص، وفتحها الباقون.
ولما صمموا على هذا الأمر وظنوا أنفسهم على المبالغة في الحلف بقولهم ﴿وإنا لصادقون﴾ أي : في قولنا ما شهدنا مهلك أهله ذلك، فإن قيل : كيف يكونون صادقين وقد جحدوا ما فعلوا فأتوا بالخبر على خلاف المخبر عنه ؟
أجيب : على التفسير الثاني بأنهم اعتقدوا أنهم إذا بيتوا صالحاً وبيتوا أهله فجمعوا بين البياتين، ثم قالوا ما شهدنا مهلك أهله فذكروا أحدهما، كانوا صادقين لأنهم فعلوا البياتين جميعاً لا أحدهما، وفي هذا دليل قاطع على أنّ الكذب قبيح عند الكفرة الذين لا يعرفون الشرع ونواهيه ولا يخطر ببالهم إلا أنهم قصدوا قتل نبيّ الله ولم يرضوا لأنفسهم أن يكونوا كاذبين حتى سوّوا للصدق في خبرهم حيلة يتفصون فيها عن الكذب.
١١١
ولما كان منهم عمل من لم يظنّ أنّ الله عالم به قال تعالى محذراً أمثالهم عن أمثال ذلك.
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٠٩
ومكروا مكراً﴾ وهو ما أخفوه من تدبيرهم الفتك بصالح وأهله ﴿ومكرنا مكراً﴾ أي : جازيناهم على مكرهم بتعجيل العقوبة ﴿وهم لا يشعرون﴾ أي : لا يتجدّد لهم شعور بما قدّرناه عليهم، شبه بمكر الماكر على سبيل الاستعارة، وقيل : إنّ الله تعالى أخبر صالحاً بمكرهم فتحرّز عنهم فذاك مكر الله تعالى في حقهم.
﴿فانظر كيف كان عاقبة مكرهم﴾ في ذلك ﴿أنا دمرناهم﴾ أي : أهلكناهم ﴿وقومهم أجمعين﴾ روي أنه كان لصالح عليه السلام مسجد في الحجر في شعب يصلي فيه، فقالوا زعم صالح أنه يفرغ منا إلى ثلاثة فنحن نفرغ منه ومن أهله قبل الثلاثة فخرجوا إلى الشعب وقالوا إذا جاء يصلي قتلناه، ثم رجعنا إلى أهله فقتلناهم فبعث الله تعالى صخرة من أهضب جبالهم فبادروا إلى الشعب فطبقت الصخرة عليهم فم الشعب فلم يدر قومهم أين هم ولم يدروا ما فعل الله تعالى بهم وبقومهم، وعذب الله تعالى كلاً منهم في مكانه بصيحة جبريل عليه السلام ورمتهم الملائكة بحجارة يرونها ولا يرونهم.
وقال ابن عباس : أرسل الله تعالى الملائكة تلك الليلة إلى دار صالح يحرسونه فأتى التسعة دار صالح شاهرين سيوفهم فرمتهم الملائكة بالحجارة من حيث يرون الحجارة ولا يرون الملائكة فقتلتهم، وقال مقاتل : نزلوا في سفح الجبل ينتظر بعضهم بعضاً ليأتوا دار صالح فحمى عليهم الجبل فأهلكهم وأهلك الله تعالى قومهم بالصيحة.
﴿فتلك بيوتهم﴾ أي : ثمود كلهم ﴿خاوية﴾ أي : خالية من خوى البطن إذا خلا أو ساقطة منهدمة من خوى النجم إذا سقط تنبيه : خاوية منصوب على الحال، والعامل فيها معنى اسم الإشارة، وقرأ الكوفيون أنا دمرناهم بفتح الهمزة إما على حذف حرف الجرّ، أي : لأنا دمرناهم وإمّا أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي : هي أنا دمرناهم أي : العاقبة تدميرنا إياهم، وقيل غير ذلك، والباقون بكسر الهمزة على الاستئناف وهو تفسير للعاقبة، وقرأ ورش وأبو عمر ووحفص بيوتهم بضم الباء الموحدة، وكسرها الباقون، ولما ذكر تعالى هلاكهم اتبعه بقوله تعالى :﴿بما ظلموا﴾ أي : بسبب ظلمهم وهو عبادتهم من لا يستحق العبادة وتركهم من يستحقها، ثم زاد في التهويل بقوله تعالى :﴿إن في ذلك﴾ أي : هذا الأمر الباهر للعقول الذي فعل بثمود ﴿لآية﴾ أي : عبرة عظيمة ولكنها ﴿لقوم يعلمون﴾ قدرتنا فيتعظون أما من لا علم عنده فقد نادى على نفسه في عداد البهائم، ولما ذكر تعالى الذين أهلكهم أتبعه بذكر الذين نجاهم فقال.
﴿وأنجينا﴾ أي : بعظمتنا وقدرتنا ﴿الذين آمنوا﴾ وهم الفريق الذين كانوا مع صالح كلهم ﴿وكانوا يتقون﴾ أي : متصفين بالتقوى أيضاً فكأنهم مجبولون عليه فيجعلون بينهم وبين ما يسخط الله وقاية من الأعمال الصالحة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٠٩
ولما ذكر تعالى قصة صالح عليه السلام أتبعها قصة لوط عليه السلام وهي القصة الرابعة بقوله تعالى :
﴿ولوطاً﴾ وهو إما منصوب عطفاً على صالح، أي : وأرسلنا لوطاً، وإما عطفاً على الذين آمنوا أي : وأنجينا لوطاً، وإما باذكر مضمرة ويبدل منه على هذا.
﴿إذ﴾ أي : حين ﴿قال لقومه﴾ أي : الذين كان سكن فيهم لما فارق عمه إبراهيم الخليل
١١٢