وفي حديث قال رسول ﷺ "لو قال يومئذ هو قرّة عين لي كما هو لك لهداه الله كما هداها" قال الزمخشري : وهذا على سبيل الفرض والتقدير أي : لو كان غير مطبوع على قلبه كآسية لقال مثل قولها ولأسلم كما أسلمت هذا إن صح الحديث تأويله والله أعلم بصحته انتهى، ثم قال لآسية ما تسميه قالت سميته موسى لأنا وجدناه في الماء والشجر فمو هو الماء وسى هو الشجر فذلك قوله تعالى :﴿فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوّاً﴾ أي : يطول خوفهم منه بمخالفته لهم في دينهم وحملهم على الحق وقتل رجالهم ﴿وحزنا﴾ أي : بزوال ملكهم لأنه يظهر فيهم الآيات التي يهلك الله تعالى بها من يشاء منهم ويستعبد نساءهم ثم يظفر بهم حتى يهلكهم الله تعالى بالغرق على يده إهلاك نفس واحدة فيعم الحزن والنواح أهل ذلك الإقليم كله تنبيه : في هذه اللام الوجهان المشهوران أحدهما : أنها للعلة المجازية دون الحقيقية لأنهم لم يكن داعيهم إلا الالتقاط أن يكون لهم عدوّاً وحزناً ولكن المحبة والتبني غير أنّ ذلك لما كان نتيجة التقاطهم له وثمرته شبه بالداعي الذي يفعل الفاعل الفعل لأجله وهو الإكرام الذي هو نتيجة المجيء والتأدّب الذي هو ثمرة الضرب ليتأدّب، وتحريره أنّ هذه اللام حكمها حكم الأسد حيث استعيرت لما يشبه التعليل كما استعير الأسد لمن يشبه الأسد، والثاني : أنها للعاقبة والصيرورة
١٣١
لأنهم لم يلتقطوه ليكون لهم عدوّاً وحزنا ولكن صار عاقبة أمره إلى ذلك.
وقرأ حمزة والكسائي : بضمّ الحاء وسكون الزاي، والباقون بفتحهما وهما لغتان بمعنى واحد كالعدم والعدم، ثم بين تعالى أنّ هذا الفعل لا يفعله إلا أحمق مقهور أو مغفل مخذول لا يكاد يصيب بقوله تعالى :﴿إنّ فرعون وهامان﴾ وزيره ﴿وجنودهما﴾ أي : كلهم على طبع واحد ﴿كانوا خاطئين﴾ أي : في كل شيء فلا بدع منهم أن قتلوا ألوفاً لأجله ثم أخذوه يربونه ليكبر ويفعل بهم ما كانوا يحذرون، أو مذنبين فعاقبهم الله تعالى بما ربى عدوّهم على أيديهم.
وقال وهب : لما وضع التابوت بين يدي فرعون فتحه فوجد فيه موسى فلما نظر إليه قال كيف أخطأ هذا الغلام الذبح وكان فرعون قد استنكح امرأة من بني إسرائيل يقال لها آسية بنت مزاحم وكانت من خيار النساء ومن بنات الأنبياء عليهم السلام وكانت أماً للمساكين ترحمهم وتتصدّق عليهم وهي المذكورة في قوله تعالى :
﴿وقالت امرأت فرعون﴾ أي : له وهي قاعدة لجنبه هذا الوليد أكبر من ابن سنة وإنما أمرت أن تذبح الولدان لهذه السنة فدعه ﴿قرّة عين لي﴾ أي : به ﴿ولك﴾ أي : يا فرعون لأنهما لما رأياه أخرج من التابوت أحباه، وروي أنها قالت إنه أتانا من أرض أخرى ليس من بني إسرائيل، ولما أثبتت له أنه ممن تقرّ به العيون قالت ﴿لا تقتلوه﴾ أي : لا أنت بنفسك ولا أحد ممن تأمره بذلك، ثم عللت ذلك واستأنفت بقولها ﴿عسى أن ينفعنا﴾ ولو كان له أبوان معروفان فإنّ فيه مخايل اليمن ودلائل النفع وذلك لما رأت من النور بين عينيه وارتضاعه من إبهامه لبناً وبرئه البرصاء بريقه ﴿أو نتخذه ولداً﴾ أي : إذا كان لم يعرف له أبوان فيكون نفعه أكثر فإنه أهل لأن تتشرّف به الملوك.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٢٩
تنبيه : التاء في قرّة عين مجرورة، وقف عليها ابن كثير وأبو عمرو والكسائي بالهاء، والباقون بالتاء وهي خبر مبتدأ مضمر أي : هو قرّة عين، والعامّة من القراء والمفسرين وأهل العلم على ذلك.
ونقل ابن الأنباري بسنده إلى ابن عباس أنه وقف على لا، أي : هو قرّة عين لي فقط ولك لا أي : ليس هو لك قرّة عين ثم يبتدئ بقوله تقتلوه، وقال ابن عادل : وهذا لا ينبغي أن يصح عنه وكيف يبقى تقتلوه من غير نون رفع ولا مقتض لحذفها فلذلك قال الفراء : هو لحن.
وقوله تعالى ﴿وهم لا يشعرون﴾ جملة حالية من كلام الله تعالى أي : لا شعور لهم أصلاً لأنّ من لا يكون له علم إلا باكتساب فكيف إذا كان مطبوعاً على قلبه وإذا كانوا كذلك فلا شعور لهم بما يؤول إليه أمرهم معه من الأمور الهائلة المؤدّية إلى هلاك المفسدين، وقيل : إنّ ذلك من كلام امرأة فرعون كأنها لما رأت ملأه أشاروا بقتله قالت له افعل أنت ما أقول لك وقومك لا يشعرون أنا التقطناه، قال الكلبي ولما أخبر الله تعالى عن حال من لقيه أخبر عن حال من فارقه بقوله تعالى :
﴿وأصبح﴾ أي : عقب الليلة التي حصل فيها فراقه ﴿فؤاد أمّ موسى﴾ أي : قلبها الذي زاد احتراقه شوقاً وخوفاً وحزناً وهذا يدل على أنها ألقته ليلاً، واختلف في معنى قوله ﴿فارغاً﴾ فقال أكثر المفسرين : خالياً من كل همّ إلا من همّ موسى عليه السلام، وقال الحسن : أي : ناسياً للوحي الذي أوحاه الله تعالى إليها حين أمرها أن تلقيه في البحر ولا تخاف ولا تحزن والعهد الذي عهد أن يرده
١٣٢
إليها ويجعله من المرسلين فجاءها الشيطان وقال : كرهت أن يقتل فرعون ولدك فيكون لك أجره وثوابه وتوليت أنت قتله فألقيتيه في البحر وأغرقتيه.


الصفحة التالية
Icon