جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٥٢
تنبيه : قوله تعالى :﴿خير﴾ مع أنّه لا خير فيهم إما أن يكون كقول حسان :
*فشر كما لخير كما الفداء*
أو هو بحسب زعمهم واعتقادهم ؛ أو المراد بالخير شدّة القوّة ؛ أو لأنّ كل ممكن فلا بدّ وأن يكون له صفات محمودة، فالمراد تلك الصفات ﴿أم لكم﴾ أي : يا أهل مكة ﴿براءة في الزبر﴾ أي : أنزل إليكم من الكتب السماوية أنّ من كفر منكم فهو في أمان من عذاب الله تعالى والاستفهام هنا أيضاً بمعنى النفي أي ليس الأمر كذلك.
١٥٢
﴿أم يقولون﴾ أي : كفار قريش ﴿نحن جميع﴾ أي جمع واحد مبالغ في اجتماعه فهو في الغاية من الضم فلا افتراق له ﴿منتصر﴾ أي على كل من يعاديه، لأنهم على قلب رجل واحد ولم يقل منتصرون لموافقة رؤوس الآي.
ولما قال أبو جهل يوم بدر : إنا جميع منتصر نزل ﴿سيهزم الجمع﴾ بأيسر أمر بوعد لا خلف فيه. وقال مقاتل : ضرب أبو جهل يوم بدر فرسه فتقدم من الصف وقال : نحن ننتصر اليوم على محمد وأصحابه فأنزل الله تعالى :﴿أم يقولون نحن جميع منتصر﴾ وقال سعيد بن المسيب : سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : لما نزلت ﴿سيهزم الجمع ويولون الدبر﴾، كنت لا أدري أي جمع يهزم فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله ﷺ يثب في درعه ويقول :﴿سيهزم الجمع ويولون الدبر﴾ فهزموا ببدر ونصر رسول الله ﷺ ولم يقل الأدبار لموافقة رؤوس الآي.
﴿بل الساعة﴾ أي : القيامة التي يكون فيها الجمع الأكبر والهول الأعظم ﴿موعدهم﴾ أي : للعذاب ﴿والساعة أدهى﴾ أي من كل ما يفرض وقوعه في الدنيا وأدهى أفعل تفضيل من الداهية، وهي أمر هائل لا يهتدي لدوائه فهي أمر عظيم ؛ يقال : دهاه أمر كذا أي أصابه دهواً ودهياً ؛ وقال ابن السكيت دهته داهية دهواء ودهياء وهي توكيد لها وقرأ حمزة والكسائي بالإمالة محضة، وقرأ ورش بالفتح وبين اللفظين والباقون بالفتح ﴿وأمر﴾ لأنّ عذابها للكفار غير مفارق ولا مزايل فهي أعظم نائبة وأشد مرارة من الأسر والقتل يوم بدر وفي رواية : أن النبيّ ﷺ كان يثب في درعه ويقول : اللهمّ إن قريشاً جادلتك وتجاهر رسولك بفخرها بخيلها فأخنهم الغداة. يقال : أخنى عليه الدهر أي غلبه وأهلكه ومنه قول النابغة :
*أخني عليها الذي أخنى على لبد*
وأخنيت عليه أفسدت ثم قال :﴿سيهزم الجمع ويولون الدبر﴾ قال عمر : فعرفت تأويلها وهذا من معجزات رسول الله ﷺ لأنّه أخبر عن غيب فكان كما أخبر ؛ قال ابن عباس : كان بين نزول هذه الآية وبين بدر سبع سنين. فالآية على هذا مكية وفي البخاري عن عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها قالت :"لقد أنزل على محمد ﷺ بمكة وإني لجارية ألعب" ﴿بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر﴾ وعن ابن عباس أنه ﷺ قال :"وهو في قبة له يوم بدر أنشدك عهدك ووعدك اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبدا، فأخذ أبو بكر بيده وقال : حسبك يا رسول الله فقد ألححت على ربك وهو في الدرع فخرج وهو يقول :﴿سيهزم الجمع ويولون الدبر بل الساعة موعدهم﴾ يريد يوم القيامة ﴿والساعة أدهى وأمر﴾ مما لحقهم يوم بدر".
﴿
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٥٢
إن المجرمين﴾
أي : المشركين القاطعين لما أمر الله تعالى أن يوصل ﴿في ضلال﴾ أي : هلاك بالقتل في الدنيا ﴿وسعر﴾ أي : نار مسعرة أي مهيجة في الآخرة وقيل :﴿في ضلال﴾ أي :
١٥٣
عمى عن القصد بالبعث وسعر. قال الضحاك أي : نار تسعر عليهم وقيل ضلال ذهاب عن طريق الجنة في الآخرة، وسعر جمع سعير نار مسعرة وقال الحسين بن الفضل : إن المجرمين في ضلال في الدنيا ونار في الآخرة. وقال قتادة : في عناء وعذاب.
ثم بين عذابهم في الآخرة بقوله تعالى :﴿يوم يسحبون﴾ أي : في القيامة إهانة لهم من أي ساحب كان ﴿في النار﴾ أي الكاملة النارية ﴿على وجوههم﴾لأنهم في غاية الذل والهوان جزاء بما كانوا يذلون أولياء الله تعالى مقولاً لهم من أي قائل اتفق ﴿ذوقوا﴾ لأنه لا منعة لهم ولا حمية بوجه ﴿مَسَّ سقر﴾ أي : حرّ النار وألمها فإن مسها سبب للتألم بها، وسقر علم لجهنم مشتقة من سقرته الشمس أو النار أي لوحته ويقال : صقرته بالصاد وهي مبدلة من السين قال ذو الرمة :
*إذا ذابت الشمس اتقى صقراتها ** يا فنان مربوع الصريمة معبل*


الصفحة التالية
Icon