﴿والحب﴾ أي : جميع الحبوب التي يقتات بها كالحنطة والشعير ﴿ذو العصف﴾ قال ابن عباس : تبن الزرع وورقه الذي يعصفه الريح، وقال مجاهد : ورق الشجر والزرع، وقال سعيد بن جبير : بقل الزرع الذي أوّل ما ينبت منه وهو قول الفراء. والعرب تقول : خرجنا نعصف الزرع إذا قطعوا منه قبل أن يدرك وقيل : العصف حطام النبات. ﴿والريحان﴾ وهو في الأصل مصدر ثم أطلق على الرزق قال ابن عباس ومجاهد والضحاك : هو الرزق بلغة حمير، كقولهم : سبحان الله وريحانه نصبوهما على المصدر يريدون تنزيهاً له واسترزاقاً. وعن ابن عباس أيضاً والضحاك وقتادة : أنه الريحان الذي يشم، وهو قول ابن زيد. وقال سعيد بن جبير : هو ما قام على ساق. وقال الفراء : العصف المأكول من الزرع والريحان ما لا يؤكل وقال الكلبي : العصف الورق الذي يؤكل والريحان هو الحب المأكول. وقيل : كل بقلة طيبة الريح سميت ريحاناً، لأنّ الإنسان يراح
١٦١
لها رائحة طيبة أي يشم. وفي الصحاح : والريحان نبت معروف، والريحان الرزق تقول : خرجت أبتغي ريحان الله، وفي الحديث :"الولد من ريحان الله". وقرأ ابن عامر : بنصب الحب وذا والريحان بخلق مضمر، أي : وخلق الحب وذا العصف والريحان.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٥٧
وقرأ حمزة والكسائي : برفع الحب وذو عطفا على فاكهة، وجرّ الريحان عطفاً على العصف، والباقون : برفع الثلاثة عطفاً على فاكهة أي وفيها أيضاً هذه الأشياء.
ولما دخل في قوله تعالى :﴿والأرض وضعها للأنام﴾ الجنّ والأنس خاطبهما بقوله تعالى :﴿فبأيّ آلاء﴾ أي : نعم ﴿ربكما﴾ أي : المحسن إليكما المدبر لكما الذي لا مدبر ولا سيد لكما غيره ﴿تكذبان﴾ أبتلك النعم أم بغيرها ؟
وكرر هذه الآية في هذه السورة في أحد وثلاثين موضعاً تقريراً للنعمة، وتأكيداً في التذكير، وفصل بين كل نعمتين بما ينبههم عليها ليفهمهم النعم، ويقرّرهم بها كما تقول لمن تتابع عليه إحسانك وهو يكفره وينكره : ألم تكن فقيراً فأغنيتك ؟
أفتنكر هذا ؟
ألم تكن خاملاً فعززتك ؟
أفتنكر هذا ؟
ألم تكن راجلاً فحملتك ؟
أفتنكر هذا ؟
والتكرير حسن في مثل هذا، قال القائل :
*كم نعمة كانت لكم كم كم وكم*
وقال آخر :
*لا تقتلي مسلماً إن كنت مسلمة ** إياك من دمه إياك إياك*
وقال آخر :
*لا تقطعنّ الصديق ما طرفت ** عيناك من قول كاشح أشر*
*ولا تملنّ يوماً زيارته ** زره وزره وزر وزر وزر*
وقال الحسن بن الفضل : التكرير طرد للغفلة، وتأكيد للحجة قال بعض العلماء : والتكرير ههنا كما تقدّم في قوله تعالى :﴿ولقد يسرنا القرآن للذكر﴾ (القمر : ١٧)
وكقوله تعالى : فيما سيأتي ﴿ويل يومئذ للمكذبين﴾ (المرسلات : ١٥)
وذهب جماعة منهم ابن قتيبة إلى أنّ التكرير لاختلاف النعم، فلذلك كرّر التوقيف مع كل واحدة.
وقال الرازي : وذكره بلفظ الخطاب على سبيل الالتفات، والمراد به التقرير والزجر وذكر لفظ الرب لأنه يشعر بالرحمة ؛ قال : وكرّرت هذه اللفظة في هذه السورة نيفاً وثلاثين مرة : إما للتأكيد، ولا يعقل لخصوص العدد معنى. وقيل : الخطاب مع الأنس والجنّ والنعمة منحصرة في دفع المكروه، وتحصيل المقصود، وأعظم المكروهات : نار جهنم ولها سبعة أبواب، وأعظم
١٦٢
المقاصد نعيم الجنة ولها ثمانية أبواب، فالمجموعة خمسة عشر وذلك بالنسبة للإنس والجنّ ثلاثون والزائد لبيان التأكيد. وروى جابر بن عبد الله قال :"قرأ علينا رسول الله ﷺ سورة الرحمن حتى ختمها، ثم قال ما لي أراكم سكوتاً للجنّ كانوا أحسن منكم ردّاً ما قرأت عليهم هذه الآية من مرّة ﴿فبأيّ آلاء ربكما تكذبان﴾ إلا قالوا ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب، فلك الحمد" وقرأ ورش ﴿فبأيّ آلاء﴾ على أصله بالمدّ، والتوسط، والقصر جميع ما في هذه السورة.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٥٧
ولما ذكر تعالى خلق العالم الكبير من السماء والأرض، وما فيهما من الدلالات على وحدانيته وقدرته ذكر خلق العالم الصغير فقال تعالى :﴿خلق الإنسان﴾ أي : آدم عليه السلام ﴿من صلصال﴾ أي : من طين يابس له صلصلة أي صوت إذا نقر ﴿كالفخار﴾ أي كالخزف المصنوع المشوي بالنار، وقيل هو طين خلط برمل ؛ وقيل : هو الطين المنتن من صل اللحم وأصل إذا أنتن.
تنبيه : قال تعالى : هنا.
من ﴿صلصال كالفخار﴾ وقال تعالى في الحجر :﴿من حما مسنون﴾ وقال تعالى في الصافات :﴿من طين لازب﴾ (الصافات : ١١)
وقال تعالى في آل عمران ﴿كمثل آدم خلقه من تراب﴾ (آل عمران : ٥٩)