﴿يخرج منهما اللؤلؤ﴾ وهو كبار الجوهر ﴿والمرجان﴾ وهو صغار الجوهر، قاله علي وابن عباس والضحاك : وقيل : بالعكس ؛ وقيل : المرجان حجر أحمر وقيل : حجر شديد البياض والمرجان أعجمي أي بمخالطة العذب المالح من غير واسطة أو بواسطة السحاب فصار ذلك كالذكر والأنثى، وقال الرازي : فيكون العذب كاللقاح للملح، وقال أبو حيان : قال الجمهور : إنما يخرج من الأجاج في المواضع التي تقع فيها الأنهار والمياه العذبة فأسند ذلك إليهما، وهذا مشهور عند الغواصين. قال مكي : كما قال :﴿على رجل من القريتين عظيم﴾ (الزخرف : ٣١)
أي : من إحدى القريتين وحذف المضاف كثير شائع ؛ وقيل : هو كقوله تعالى :﴿نسيا حوتهما﴾ (الكهف : ٦١)
وإنما الناسي فتاه، ويعزى لأبي عبيدة ؛ قال البغوي : وهذا جائز في كلام العرب أن يذكر شيئان ثم يخص أحدهما بفعل، كقوله تعالى ﴿يا معشر الجنّ والأنس ألم يأتكم رسل منكم﴾ وكانت الرسل من الأنس، وقيل : يخرج من أحدهما اللؤلؤ، ومن الآخر المرجان، وقيل : بل يخرجان منهما جميعاً، وقال ابن عباس : تكون هذه الأشياء في البحر بنزول المطر والصدف تفتح أفواهها للمطر وقد شاهده الناس فيكون تولده من بحر السماء وبحر الأرض، وهذا قول الطبري.
وقال الزمخشري : فإن قلت لم قال منهما، وإنما يخرجان من الملح ؟
قلت : لما التقيا وصارا كالشيء الواحد جاز أن يقال يخرجان منهما كما يقال : يخرجان من البحر ولا يخرجان من جميع البحر وإنما يخرجان من بعضه ؛ وتقول خرجت من البلد وإنما خرجت من محلة من محاله بل من دار واحدة من دوره، وقيل : لايخرجان إلا من ملتقى الملح والعذب ا. ه.
وقال بعضهم : كلام الله تعالى أولى بالاعتبار من كلام بعض الناس، فمن الجائز أنه يسوقهما من البحر العذب إلى الملح، واتفق أنهم لم يخرجوهما إلا من الملح، وإذا كان في البر أشياء تخفى على التجار المتردّدين القاطعين المفاوز فكيف بما في قعر البحر. قال ابن عادل : والجواب عن هذا أنّ الله تعالى لا يخاطب الناس ولا يمتن عليهم إلا بما يألفون ويشاهدون.
وقرأ نافع وأبو عمرو : يخرج بضم الياء وفتح الراء مبنياً للمفعول، والباقون بفتح الياء وضم الراء مبنياً للفاعل على المجاز. وقرأ السوسي وشعبة : بإبدال الهمزة الساكنة واواً وصلاً ووقفاً، وإذا وقف حمزة أبدل الأولى والثانية.
﴿
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٦٤
فبأي آلاء﴾ أي : نعم ﴿ربكما﴾ أي : الملك الأعظم المالك لكما ﴿تكذبان﴾ أبكثرة النعم من خلق المنافع في البحار وتسليطكم عليها، وإخراج الحلي العجيبة أم بغيرها.
﴿وله﴾ أي : لا لغيره ﴿الجواري﴾ أي : السفن الكبار والصغار الفارغة والمشحونة فلا تغترّوا بالأسباب الظاهرة فتقفوا معها فتسندوا شيئاً من ذلك إليها، وقرأ :﴿والمنشآت﴾ حمزة وأبو بكر بخلاف عنه بكسر الشين بمعنى أنها تنشئ الموج بجريها أو تنشئ السير إقبالاً وإدباراً، أو التي رفعت شراعها أي قلوعها والشراع القلع وعن مجاهد كل ما رفعت قلعها فهي من المنشآت وإلا فليست منها ونسبة الرفع إليها مجاز كما يقال : أنشأت السحابة المطر وقرأ الباقون بفتح الشين وهو اسم مفعول أي أنشأها الله تعالى أو الناس أو رفعوا شراعها.
تنبيه : الجواري جمع جارية وهو اسم أو صفة للسفينة، وخصها بالذكر لأنّ جريها في البحر
١٦٥
لا صنع للبشر فيه، وهم معترفون بذلك فيقولون لك الفلك ولك الملك ؛ وإذا خافوا الغرق دعوا الله وحده، وسميت السفينة جارية لأنّ شأنها ذلك وإن كانت واقفة في الساحل كما سماها في موضع آخر بالجارية كما قال تعالى :﴿إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية﴾ (الحاقة : ١١)
وسماها بالفلك قبل أن لم تكن كذلك فقال تعالى لنوح عليه السلام :﴿واصنع الفلك بأعيننا﴾ (هود : ٣٧)
ثم بعدما عملها سماها سفينة فقال تعالى :﴿فأنجيناه وأصحاب السفينة﴾ (العنكبوت : ١٥)
قال الرازي : فالفلك أولاً ثم السفينة ثم الجارية ا. ه. والمرأة المملوكة تسمى أيضاً جارية لأنّ شأنها الجري والسعي في حوائج سيدها بخلاف الزوجة فهي من الصفات الغالبة.
والسفينة فعليه بمعنى فاعله عند ابن دريد ؛ كأنها تسفن الماء وفعيلة بمعنى مفعولة عند غيره بمعنى مسفونة وقوله تعالى :﴿في البحر﴾ متعلق بالمنشآت وقوله تعالى :﴿كالأعلام﴾ حال إمّا من الضمير المستكن في المنشآت وإمّا من الجواري وكلاهما بمعنى واحد ؛ والأعلام الجبال والعلم الجبل الطويل علماً على الأرض قال القائل :
*إذا قطعنا علماً بدا لنا علم*
وقال آخر :
*ربما أوفيت في علم ** ترفعن ثوبى شمالات*
وقالت الخنساء في أخيها صخر :
*وإن صخراً لتأتمّ الهداة به ** كأنه علم في رأسه نار*
أي : جبل فالسفن في البحر كالجبال في البرّ ؛ وجمع الجواري. ووحد البحر وجمع الأعلام إشارة إلى عظمة البحر.
﴿فبأي آلاء﴾ أي : نعم ﴿ربكما﴾ العظمى التي عمت خلقه ﴿تكذبان﴾ أبتلك النعم من خلق موادّ السفن والإرشاد إلى أخذها وكيفية تركيبها وإجرائها في البحر وأسباب لا يقدر على خلقها وجمعها غيره أم غيرها ؟