دليل هذا التأويل قوله تعالى :﴿إنا﴾ أي : بمالنا من العظمة التي لا يتعاظمها شيء ﴿أنشاناهن﴾ أي : الفرش التي معناها النساء من أهل الدنيا بعد الموت بالبعث وزاد في التأكيد فقال تعالى :﴿إنشاء﴾ أي : خلقاً جديداً من غير ولادة بل جمعناهن من التراب كسائر بني آدم، ليكونوا كأبيهم آدم عليه السلام في خلقه من تراب، لتكون الإعادة كالبداءة ولذلك يكون الكل عند دخول الجنة على شكله عليه السلام، وروى النحاس بإسناده أن أم سلمة سألت النبيّ ﷺ عن قوله تعالى :﴿إنا أنشأناهن إنشاء﴾ فقال :"هن اللواتي قبضن في الدنيا عجائز شمطاً عمشاً رمصاً جعلهن الله تعالى بعد الكبر أتراباً على ميلاد واحد في الاستواء". وروى أنس بن مالك رضى
١٩٣
الله عنه يرفعه في قوله تعالى ﴿إنا أنشأناهن إنشاء﴾ قال : هن العجائز العمش الرمص كنّ في الدنيا عمشاً رمصاً. وعن المسيب بن شريك عن النبيّ ﷺ في قوله تعالى :﴿إنا أنشأناهن إنشاء﴾ قال :"هن عجائز الدنيا أنشأهن الله تعالى خلقاً جديداً كلما أتاهن أزواجهن وجدوهن أبكاراً" فلما سمعت عائشة رضى الله عنها ذلك قالت واوجعاه فقال النبي ﷺ "ليس هناك وجع". وعن الحسن رضى الله عنه قال : أتت عجوز النبيّ ﷺ فقالت : يا رسول الله ادع الله تعالى أن يدخلني الجنة فقال :"يا أم فلان إن الجنة لا يدخلها عجوز، قال : فولت تبكي، فقال : أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز إن الله تعالى يقول ﴿إنا أنشأناهن إنشاء﴾" ﴿فجعلناهن﴾ أي : الفرش المنشآت وغيرهن بعظمتنا المحيطة بكل شيء ﴿أبكاراً﴾ أي عذارى كلما أتاهن أزواجهن وجدوهن عذارى ولا وجع ؛ وذكر المسيب عن غيره : أنهن فضلن على الحور العين بصلاتهن في الدنيا ؛ وقال مقاتل وغيره : هن الحور العين أنشأهن الله تعالى لم تقع عليهن الولادة وقوله تعالى :﴿عرباً﴾ جمع عروب كصبور وصبر وهي الغنجة المحببة إلى زوجها، وقال الرازي في اللوامع : الفطنة بمراد الزواج كفطنة العرب ؛ وقيل : الحسناء ؛ وقيل : المحسنة لكلامها ؛ وقال ابن عباس رضي الله عنهما : هن العواتق. وأنشدوا
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٩١
وفي الخباء عروب غير فاحشة ** ريا الروادف يعشى دونها البصر*
وقرأ حمزة وشعبة : بسكون الراء والباقون بضمها كرسل ورسل وفرش وفرش وقوله تعالى :﴿أتراباً﴾ جمع ترب، وهو المساوي لك في سنك لأنه يمس جلدهما التراب في وقت واحد، وهو آكد في الأئتلاف، وهو من الأسماء التي لا تتعرّف بالإضافة، لأنه في معنى الصفة إذ معناه مساويك، ومثله : خدنك لأنه بمعنى مصاحبك ؛ قال القرطبي : سن واحد وهو ثلاث وثلاثون سنة ؛ يقال في النساء : أتراب، وفي الرجال : أقران ؛ وكانت العرب تميل إلى من جاوزت حدّ الفتى من النساء، وانحطت عن الكبر ؛ وقال مجاهد : الأتراب الأمثال والأشكال. وقال السدّي : أتراب في الأخلاق لا تباغض فيهن ولا تحاسد، وروى أبو هريرة رضى الله عنه عن النبي ﷺ قال :"يدخل أهل الجنة الجنة جرداً مرداً بيضاً محجلين أبناء ثلاثين أو قال ثلاثاً وثلاثين على خلق آدم عليه السلام ستون ذراعاً في سبعة أذرع". وروي أنه ﷺ قال :"من مات من أهل الجنة من صغير وكبير يردون بنى ثلاثين سنة في الجنة لا يزيدون عليها أبداً وكذلك أهل النار". وعن أبي سعيد الخدري : عن رسول الله ﷺ أنه قال :"أدنى أهل الجنة الذي له ثمانون ألف خادم، واثنان وسبعون ألف زوجة، وتنصب له قبة من لؤلؤ وزبرجد وياقوت كما بين الجابية وصنعاء، ينظر وجهه في خدّها أصفى من المرآة وإن أدنى لؤلؤة عليها تضئ ما بين المشرق والمغرب، وأنه ليكون عليها سبعون ثوباً ينفذها بصره حتى يرى مخ ساقها من وراء ذلك". وعن أبي هريرة رضي الله عنه : أن
١٩٤
أدنى أهل الجنة منزلة وما منهم دنيء لمن يغدو عليه ويروح عشرة آلاف خادم مع كل واحد منهم ظريفة ليست مع صاحبه.
"وفي تعلق اللام في قوله تعالى :﴿لأصحاب اليمين﴾ وجهان أحدهما : أنّها متعلقة بأنشأناهن أي : لأجل أصحاب اليمين والثاني : أنها متعلقة بأتراباً كقولك : هذا ترب لهذا أي : مساو له.


الصفحة التالية
Icon