سورة المجادلة
مدنية
في قول الجميع الأرواية عن عطاء إلا العشر الأول منها مدني وباقيها مكي، وقال الكلبي : نزل جميعها بالمدينة غير قوله تعالى :﴿ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم﴾ نزلت بمكة وهي اثنتان وعشرون آية وأربعمائة وثلاث وسبعون كلمة وألف وسبعمائة واثنان وسبعون حرفاً.
﴿بسم الله﴾ الذي تمت قدرته وكملت جميع صفاته ﴿الرحمن﴾ الذي شمل الخلائق جوداً بالإيجاد وإرسال الهداة ﴿الرحيم﴾ الذي خص أصفياءه فتمت عليهم نعمة مرضاته
ونزل في خولة بنت ثعلبة وكانت تحت أوس بن الصامت وكان قد ظاهر منها.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٢٩
﴿قد سمع الله﴾ أي : أجاب بعظيم فضله الذي أحاط بجميع صفات الكمال فوسع سمعه الأصوات ﴿قول التي تجادلك﴾ أي : تراجعك أيها النبيّ ﴿في زوجها﴾ المظاهر منها روي "أنّ عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه مرّ بها في خلافته وهو على حمار والناس معه، فاستوقفته طويلاً ووعظته وقالت : يا عمر قد كنت تدعى عميراً ثم قيل لك : عمر ثم قيل لك : أمير المؤمنين فاتق الله يا عمر فإنه من أيقن بالموت خاف الفوت ومن أيقن بالحساب خاف العذاب وهو واقف يسمع كلامها فقيل له : يا أمير المؤمنين أتقف لهذه العجوز هذا الموقف فقال : والله لو حبستني من أول النهار إلى آخره لا زلت إلا للصلاة المكتوبة أتدرون من هذه العجوز هي : خولة بنت ثعلبة سمع الله تعالى قولها من فوق سبع سموات أيسمع ربّ العالمين قولها ولا يسمعه عمر" وعن
٢٣٠
عائشة :"تبارك الذي وسع سمعه كل شيء إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفى عليّ بعضه وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله ﷺ وهي تقول : يا رسول الله أكل شبابي ونثرت له بطني حتى إذا كبر سني وانقطع ولدي ظاهر مني اللهمّ إني أشكو إليك، فما برحت حتى نزل بهذه الآية ﴿قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها﴾ الآية. وروي "أنها كانت حسنة الجسم فرآها زوجها ساجدة فنظر عجيزتها فأعجبه أمرها فلما انصرفت أرادها فأبت فغضب عليها، قال عروة : وكان امرأ به لمم فأصابه بعض لممه فقال لها : أنت عليّ كظهر أمي وكان الإيلاء والظهار من الطلاق في الجاهلية، فسألت النبي ﷺ فقالت : إنّ أوساً تزوجني وأنا شابة مرغوب فيّ فلما علا سنى ونثرت بطني أي : كثر ولدي جعلني عليه كأمّه فقال لها النبيّ ﷺ حرمت عليه فقالت : والله ما ذكر طلاقاً وإنه أبو ولدي وأحب الناس إليّ، فقال رسول الله ﷺ حرمت عليه فقالت أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي فقد طالت صحبتي ونفضت له بطني، فقال رسول الله ﷺ ما آراك إلا حرمت عليه أو أومر في شأنك بشيء فجعلت تراجع رسول الله ﷺ وإذا قال لها رسول الله ﷺ حرمت عليه، هتفت وقالت : أشكو إلى الله فاقتي وشدّة حالي وأنّ لي صبية صغاراً إن ضممتهم إليّ جاعوا وإن ضممتهم إليه ضاعوا وجعلت ترفع رأسها إلى السماء وتقول : اللهمّ أني أشكو إليك، فأنزل على لسان نبيك وكان هذا أوّل ظهار في الإسلام، فأنزل الله تعالى :﴿قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها﴾ الآية فأرسل رسول الله ﷺ إلى زوجها وقال : ما حملك على ما صنعت قال : الشيطان فهل من رخصة ؟
فقال : نعم وقرأ عليه الأربع آيات فقال له هل تستطيع العتق فقال لا والله فقال هل تستطيع الصوم ؟
فقال لا والله إني إن أخطأني أن آكل في اليوم مرّة أو مرتين لكل صبري ولظننت أني أموت قال : فأطعم ستين مسكيناً، قال : ما أجد إلا أن تعينني منك بعون وصلة فأعانه رسول الله ﷺ بخمسة عشر صاعاً، وأخرج أوس من عنده مثله فتصدق به على ستين مسكيناً".
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٣٠
وروي أنه ﷺ قال لها مريه أن يعتق رقبة فقالت : أيّ رقبة والله لا يجد رقبة وما له خادم غيري، فقال : مريه أن يصوم شهرين، فقالت : والله ما يقدر على ذلك إنه يشرب في اليوم كذا كذا مرّة، فقال : مريه فليطعم ستين مسكيناً، فقالت : أنّى له ذلك" ﴿وتشتكي﴾ أي : تتعمد بتلك المجادلة الشكوى منتهية ﴿إلى الله﴾ أي : سؤال الملك الأعظم الرحمة الذي أحاط بكل شيء علماً.
فإن قيل : ما معنى قد في قوله تعالى :﴿قد سمع﴾ أجيب : بأنّ معناها التوقع لأنّ رسول الله ﷺ والمجادلة كانا يتوقعان أن يسمع الله تعالى تجادلتها وشكواها وينزل في ذلك ما يفرّج عنها لصدقها في شكواها وقطع رجائها في كشف ما بها من غير الله إنّ الله تعالى يكشف كربتها ﴿والله﴾ أي : والحال أنّ الذي وسعت رحمته كلّ شيء، لأنّ له الأمر كله ﴿يسمع تحاوركما﴾
٢٣١
أي : تراجعكما الكلام وهو على تغليب الخطاب ﴿إن الله﴾ أي : الذي أحاط بجميع صفات الكمال ﴿سميع﴾ أي : بالغ السمع لكل مسموع ﴿بصير﴾ أي : بالغ البصر لكل ما يبصر فهما صفتان كالعلم والقدرة والحياة والإرادة وهما من صفات الذات لم يزل الخالق سبحانه متصفاً بهما
ولما أتم تعالى الخبر عن إحاطة العلم استأنف الإخبار عن حكم الأمر المجادل بسببه فقال تعالى :﴿الذين يظهرون﴾ أي : يوجدون الظهار في أي زمان كان وقوله تعالى :﴿منكم﴾ أي : أيها العرب المسلمون توبيخ لهم وتهجين لعادتهم لأنّ الظهار كان خاصاً بالعرب دون سائر الأمم فنبه تعالى على أنّ اللائق بهم أن يكونوا أبعد الناس عن هذا الكلام لأنّ الكذب لم يزل مستهجناً عندهم في الجاهلية ثم زاده الإسلام استهجاناً ﴿من نسائهم﴾ أي : يحرمون نساءهم على أنفسهم تحريم الله تعالى عليهم ظهور أمّهاتهم.