بسبب العفو عنكم شكراً أي : على هذا الكرم والحلم ﴿الصلاة﴾ التي هي طهرة لأرواحكم وصلة لكم بربكم ﴿وآتوا الزكاة﴾ التي هي براءة لأبدانكم وتطهير ونماء لأموالكم وصلة لكم بإخوانكم، ولا تفرّطوا في شيء من ذلك فتهملوه فالصلاة نور يهدي إلى المقاصد الدنيوية والأخروية ويعين على نوائب الدارين، والصدقة برهان على صحة القصد في الصلاة.
ثم عمم بعد أن خصص أشرف العبادات البدنية وأعلى المناسك المالية بقوله تعالى :﴿وأطيعوا الله﴾ أي : الذي له الكمال له ﴿ورسوله﴾ أي : الذي عظمته من عظمته في سائر ما يأمرانكم به، فإنه تعالى ما أمركم لأجل إكرام رسولكم ﷺ إلا بالحنيفية السمحة ﴿والله﴾ أي : الذي أحاط بكل شيء علماً وقدرة ﴿خبير بما تعملون﴾ أي : يعلم بواطنكم كما يعلم ظواهركم لا تخفى عليه خافية.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٤١
﴿ألم تر﴾ أي : تنظر يا أشرف الخلق ﴿إلى الذين تولوا﴾ أي : تكلفوا بغاية جهدهم وهم المنافقون أي جعلوا أولياءهم الذين يتولون لهم أمورهم ﴿قوماً﴾ وهم اليهود ابتغوا عندهم العزة اغتراراً بما يظهر لهم منهم من القوة ﴿غضب الله﴾ أي : الملك الأعلى الذي لا ندّله ﴿عليهم﴾ أي : المتولى والمتولى لهم ﴿ما هم﴾ أي : المنافقون ﴿منكم﴾ أي : المؤمنين ﴿ولا منهم﴾ أي : اليهود بل هم مذبذبون وزاد في الشناعة عليهم بأقبح الأشياء بقوله تعالى :﴿ويحلفون﴾ أي : المنافقون يجدّدون الحلف على الاستمرار ودل بأداة الاستعلاء على أنهم في غاية الجراءة على استمرارهم على الإيمان الكاذبة بأنّ التقدير مجترئين ﴿على الكذب﴾ في دعوى الإسلام وغير ذلك مما يقعون فيه من عظائم الآثام فإذا عوتبوا عليه بادروا إلى الإيمان ﴿وهم يعلمون﴾ أنهم كاذبون متعمدون.
روي "أنّ عبد الله بن نبتل كان يجالس رسول الله ﷺ ثم يرفع حديثه إلى اليهود فبينا رسول الله ﷺ في حجرة من حجره إذ قال لأصحابه : يدخل عليكم الآن رجل قلبه قلب جبار وينظر بعين شيطان، فدخل ابن نبتل وكان أزرق العينين أسمر قصيراً خفيف اللحية، فقال له النبي ﷺ علام تشتمني أنت وأصحابك فحلف بالله ما فعل فقال النبي ﷺ فعلت فانطلق فجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما سبوه فنزلت".
٢٤٦
﴿أعد الله﴾ أي : الذي له العظمة الباهرة فلا كفء له ﴿لهم عذاباً﴾ أي : أمراً قاطعاً لكل عذوبة ﴿شديداً﴾ أي : لا طاقة لهم به ثم علل عذابهم بما دلّ على أنه واقع في أتم مواقعه بقوله تعالى مؤكداً تقبيحاً على من كان يستحسن فعالهم ﴿إنهم ساء﴾ أي : بلغ الغاية بما يسوء ودل على أنّ ذلك لهم كالجبلة بقوله تعالى :﴿ما كانوا يعملون﴾ أي : يجدّدون عمله مستمرّين عليه لا ينفكون عنه، قال الزمخشري : أو هي حكاية ما يقال لهم في الآخرة
﴿
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٤٦
اتخذوا أيمانهم﴾ أي : الكاذبة التي لا تهون على من في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان ﴿جنة﴾ وقاية وسترة من كل ما يفضحهم من النفاق كائناً ما كان ﴿فصدّوا﴾ أي : كان قبول ذلك منهم وتأخير عقابهم سبباً لإيقاعهم الصدّ ﴿عن سبيل الله﴾ أي : شرع الملك الأعلى الذي هو طريق إلى رضوانه الذي هو سبب الفوز العظيم فإنهم كانوا يثبطون من لقوا عن الدخول في الإسلام ويوهنون أمره ويحقرونه، ومن رآهم قد خلصوا من المكاره بأيمانهم الخائنة ودرّت عليهم الأرزاق استدراجاً، وحصلت لهم الرفعة عند الناس بما يرضونه من أقوالهم المؤكدة بالإيمان، غرّه ذلك فاتبع سنتهم في أقوالهم وأفعالهم ونسج على منوالهم غروراً بظاهر أمرهم معرضاً عما توعدهم الله تعالى عليه من جزاء خداعهم وأمرهم وأجرى الأمر على أسلوب التهكم باللام التي تكون في المحبوب فقال تعالى :﴿فلهم﴾ أي : فتسبب عن صدّهم إنه كان لهم ﴿عذاب مهين﴾ جزاء بما طلبوا بذلك الصدّ إعزاز أنفسهم وإهانة أهل الإسلام
﴿لن تغنى﴾ أي : بوجه من الوجوه ﴿عنهم أموالهم﴾ أي : في الدنيا ولا في الآخرة بالافتداء ولا بغيره ﴿ولا أولادهم﴾ أي : بالنصرة والمدافعة ﴿من الله﴾ أي : أغناه مبتدأ من الملك الأعلى ﴿شيئاً﴾ ولو قل جدّاً فمهما أراد بهم سبحانه كان ونفذ ومضى لا يدفعه شيء تكذيباً لمن قال منهم : لئن كان يوم القيامة لنكوننّ أسعد فيه منكم كما نحن الآن ولننجونّ بأنفسنا وأموالنا وأولادنا ﴿أولئك﴾ أي : البعداء من كل خير ﴿أصحاب النار هم﴾ أي : خاصة ﴿فيها﴾ أي : خاصة ﴿خالدون﴾ أي : دائمون لازمون إلى غير نهاية