وأمّا الغنيمة فهي ما حصل لنا من الحربيين مما هو لهم بايجاف حتى ما حصل بسرقة أو التقاط، وكذا ما انهزموا عنه عند التقاء الصفين ولو قبل شهر السلاح، أو أهداه الكافر لنا والحرب قائمة. ولم تحل الغنائم لأحد قبل الإسلام بل كانت الأنبياء إذا غنموا مالاً جمعوه فتأتي نار من السماء فتأخذه، ثم أحلت لنبينا ﷺ وكانت في صدر الإسلام له خاصة، لأنه كالمقاتلين كلهم نصرة وشجاعة بل أعظم، ثم نسخ ذلك واستقرّ الأمر على ما هو في سورة الأنفال في قوله تعالى :﴿واعلموا إنما غنمتم من شيء﴾ (الأنفال : ٤١)
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٥٥
الآية وأما الفيء فهو مذكور هنا بقوله تعالى :﴿فما أوجفتم﴾ أي : أسرعتم يا مسلمين ﴿عليه﴾ ومن في قوله تعالى :﴿من خيل﴾ مزيدة، أي : خيلاً، وأكد بإعادة النافي دفعاً لظن من ظنّ أنه غنيمة لأحاطتهم به بقوله تعالى :﴿ولا ركاب﴾ والركاب الإبل غلب ذلك عليها من بين المركوبات، واحدها راكبة ولا واحد لها من لفظها.
وقال الرازي : العرب لا يطلقون لفظ الراكب إلا على راكب البعير، ويسمون راكب الفرس فارساً، والمعنى : لم تقطعوا إليها شقة ولا لقيتم بها حرباً ولا مشقة، فإنها كانت من المدينة على ميلين، قاله الفرّاء فمشوا إليها مشياً، ولم يركبوا إليها خيلاً ولا إبلاً إلا النبي ﷺ ركب جملاً، وقيل : حماراً مخطوماً بليف فافتتحها صلحاً.
قال الرازي : إنّ الصحابة طلبوا من النبيّ ﷺ أن يقسم الفيء بينهم كما قسم الغنيمة بينهم، فذكر الله تعالى الفرق بين الأمرين، وأنّ الغنيمة هي التي تعبتم أنفسكم في تحصيلها، وأمّا الفيء فلم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فكان الأمر مفوّضاً فيه إلى النبيّ ﷺ يضعه حيث يشاء
﴿ولكن الله﴾ أي : الذي له العز كله فلا كفؤ له ﴿يسلط رسله﴾ أي : له هذه السنة في كل زمن ﴿على من يشاء﴾ يجعل ما آتاهم سبحانه من الهيبة رعباً في قلوب أعدائه ﴿والله﴾ أي : الملك الذي له الكمال كله ﴿على كل شيء﴾ يصح أن تتعلق المشيئة به، وهو كل ممكن من التسليط وغيره ﴿قدير﴾ أي : بالغ القدرة إلى أقصى الغايات فلا حق لكم فيه، ويختص به النبيّ ﷺ ومن ذكر معه في الآية الثانية من الأصناف الأربعة، على ما كان عليه القسمة من أنّ لكل منهم خمس الخمس وله ﷺ الباقي يفعل فيه ما يشاء
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٥٥
ثم بين تعالى مصرف الفيء بقوله تعالى :﴿ما أفاء الله﴾ أي : الذي اختص بالعزة والقدرة والحكمة ﴿على رسوله من أهل القرى﴾ أي : قرية بني النضير وغيرها من وادي القرى والصفراء وينبع، وما هنالك من قرى العرب التي تسمى قرى عربية، فيخمس ذلك خمسة أخماس وإن لم يكن في الآية تخميس، فإنه مذكور في آية الغنيمة فحمل المطلق على المقيد، وكان ﷺ يقسم له أربعة أخماسه وخمس خمسة، ولكل من الأربعة المذكورين معه خمس خمس وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي بالإمالة محضة، وورش بين اللفظين، والباقون بالفتح فقوله تعالى :﴿فلله﴾ أي : الملك الأعلى الذي كله بيده ذلك للتبرّك، فإنّ كل أمر لا يبدأ فيه به فهو أجذم ﴿وللرسول﴾ أي : الذي عظمته من عظمته تعالى، وقد تقدم ما كان له ﷺ وأمّا بعده ﷺ فيصرف ما كان له من خمس الخمس لمصالح المسلمين، وسد ثغور، وقضاة، وعلماء بعلوم تتعلق بمصالح المسلمين كتفسير
٢٥٧
وقراءة، والمراد بالقضاة غير قضاة العسكر أمّا قضاته وهم الذين يحكمون لأهل الفيء في مغزاهم فيرزقون من الأخماس الأربعة لا من خمس الخمس، يقدّم وجوباً الأهمّ فالأهمّ. وأمّا الأربعة المذكورة معه ﷺ فأولها المذكور في قوله تعالى :﴿ولذي القربى﴾ أي : منه، وهم مؤمنو بني هاشم وبني المطلب لاقتصاره ﷺ في القسم عليهم مع سؤال غيرهم من بني عميهم نوفل وعبد شمس له، ولقوله ﷺ "أما بنو هاشم وبنو المطلب فشيء واحد، وشبك بين أصابعه" فيعطون ولو أغنياء لأنه ﷺ أعطى العباس وكان غنياً، ويفضل الذكر على الأنثى كالإرث فله سهمان ولها سهم، لأنه عطية من الله تعالى يستحق بقرابة الأب كالإرث سواء الكبير والصغير، والعبرة بالانتساب إلى الآباء فلا يعطى أولاد البنات من بني هاشم والمطلب شيئاً لأنه ﷺ لم يعط الزبير وعثمان مع أن أم كل منهما كانت هاشمية.