والمعنى : أنا لو أنزلنا هذا القرآن على الجبل لخشع لوعده، وتصدع لوعيده، وأنتم أيها المشهورون بإعجازه لا ترغبون في وعده ولا ترهبون من وعيده، والغرض من هذا الكلام التنبيه على قساوة قلوب هؤلاء الكفار وغلظ طباعهم، ونظيره ﴿ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة﴾ (البقرة : ٧٤)
وقيل الخطاب للنبيّ ﷺ أي : لو أنزلنا هذا القرآن يا محمد على جبل لما ثبت وتصدّع من نزوله عليه، وقد أنزلناه عليك وثبتناك له فيكون ذلك امتناناً عليه أن ثبته لما لم تثبت له الجبال.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٧٣
وقيل : إنه خطاب للأمة، والمعنى : لو أنذر بهذا القرآن الجبال لتصدّعت من خشية الله تعالى، والإنسان أقل قوة وأكثر ثباتاً فهو يقوم بحقه إن أطاع، ويقدر على ردّه إن عصى لأنه موعود بالثواب ومزجور بالعقاب.
ولما وصف تعالى القرآن بالعظم، ومعلوم أن عظم الصفة تابع لعظم الموصوف أتبع ذلك بوصف عظمته تعالى، فقال عز من قائل :﴿هو﴾ أي : الذي وجوده من ذاته فلا عدم له بوجه من الوجوه، فلا شيء يستحق الوصف بهو غيره لأنه الموجود دائماً أزلاً وأبداً فهو حاضر في كل ضمير
٢٧٣
غائب بعظمته عن كل حس، فلذلك تصدّع الجبل من خشيته ولما عبر عنه بأخص أسمائه أخبر عنه لطفاً بنا وتنزلاً لنا بأشهرها الذي هو مسمى الأسماء كلها بقوله تعالى :﴿الله﴾ أي : المعبود الذي لا ينبغي العبادة والألوهية الإله ﴿الذي لا إله إلا هو﴾ فإنه لا مجالس له، ولا يليق ولا يصح ولا يتصوّر أن يكافئه، أو يدانيه شيء والإله أول اسم لله تعالى فلذلك لا يكون أحد مسلماً إلا بتوحيده، فتوحيده فرض وهو أساس كل فريضة ﴿عالم الغيب﴾ أي : الذي غاب عن جميع خلقه ﴿والشهادة﴾ أي : الذي وجد فكان يحسه ويطلع عليه بعض خلقه. وقال ابن عباس : معناه عالم السرّ والعلانية، وقيل : ما كان وما يكون. وقال سهل : عالم بالآخرة والدنيا، وقيل : استوى في علمه السرّ والعلانية والموجود والمعدوم. وقوله تعالى :﴿هو الرحمن الرحيم﴾ معناه ذو الرحمة، ورحمة الله تعالى إرادته الخير والنعمة والإحسان إلى خلقه. وقيل : إنّ رحمن أشدّ مبالغة من رحيم، ولهذا قيل : هو رحمن الدنيا ورحيم الآخرة لأنه تعالى بإحسانه في الدنيا يعم المؤمن والكافر، وفي الآخرة يختص إنعامه وإحسانه بالمؤمنين.
﴿هو الله﴾ أي : الذي لا يقدر على تعميم الرحمة لمن أراد وتخصيصها بمن شاء إلا هو ﴿الذي لا إله﴾ أي : لا معبود بحق ﴿إلا هو الملك﴾ أي : فلا ملك في الحقيقة إلا هو لأنه لا يحتاج إلى شيء، لأنه مهما أراد كان فهو متصرّف بالأمر والنهي في جميع خلقه، فهم تحت ملكه وقهره وإرادته ﴿القدوس﴾ أي : البليغ في النزاهة عن كل وصم يدركه حس، أو يتصورّه خيال، أو يسبق إليه وهم، أو يختلج إليه ضمير.
ونظيره : السبوح وفي تسبيح الملائكة سبوح قدوس رب الملائكة والروح ﴿السلام﴾ أي : الذي سلم من النقائص وكل آفة تلحق الخلق، فهو بمعنى السلامة ومنه دار السلام وسلام عليكم وصف به مبالغة في وصف كونه سليماً من النقائص، أو في إعطائه السلامة ﴿المؤمن﴾ قال ابن عباس : هو الذي أمن الناس من ظلمه، وأمن من آمن به عذابه. وقيل : هو المصدّق لرسله بإظهار المعجزات لهم، والمصدّق للمؤمنين بما وعدهم من الثواب وبما أوعد الكافرين من العذاب. وقال مجاهد : المؤمن الذي وحد نفسه لقوله تعالى :﴿شهد الله أنه لا إله إلا هو﴾ (آل عمران : ١٨)
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٧٣
قال ابن عباس : إذا كان يوم القيامة أخرج أهل التوحيد من النار، وأوّل من يخرج من وافق اسمه اسم نبي حتى إذا لم يبق فيها من وافق اسمه اسم نبي قال الله تعالى لباقيهم : أنتم المسلمون وأنا السلام وأنتم المؤمنون وأنا المؤمن، فيخرجهم من النار ببركة هذين الاسمين ﴿المهيمن﴾ قال ابن عباس أي الشهيد على عباده بأعمالهم الذي لا يغيب عنه شيء، وقيل : هو القائم على خلقه بقدرته، وقيل : هو الرقيب الحافظ لكل شيء مفيعل من الأمن قلبت همزته هاء ﴿العزيز﴾ أي : الذي لا يوجد له نظير، وقيل : هو الغالب القاهر ﴿الجبار﴾ الذي جبر خلقه على ما أراده، أو جبر حالهم بمعنى أصلحه، والجبار في صفة الله صفة مدح، وفي صفة الناس صفة ذم وكذا قوله تعالى :﴿المتكبر﴾ أي : الذي تكبر على كل ما يوجب حاجة أو نقصاً، وهو في حقه تعالى صفة مدح لأنه له جميع صفات العلوّ والعظمة، وفي صفة الناس صفة ذم لأنّ المتكبر هو الذي يظهر من نفسه التكبر، وذلك نقص في حقه لأنه ليس له كبر ولا علوّ بل له الحقارة والذلة، فإذا أظهر الكبر كان كذاباً في فعله ﴿سبحان الله﴾ أي : تنزه الملك إلا على الذي اختص بجميع صفات الكمال تنزهاً لا تدرك العقول منه أكثر من أنه علا عن أوصاف الخلق فلا يدانيه شيء من نقص تعالى :﴿عما
٢٧٤
يشركون﴾ أي : من هذه المخلوقات من الأصنام وغيرها مما في الأرض، أو في السماء من صغير وكبير وجليل وحقير.
﴿هو﴾ أي : الذي لا شيء يستحق أن يطلق عليه هذا الضمير غيره لأنّ وجوده من ذاته، ولا شيء غيره إلا وهو ممكن ولما ابتدأ بهذا الغيب المحض الذي هو أظهر الأشياء أخبر عنه بأشهر الأشياء الذي لم يقع فيه شركة بوجه. فقال تعالى :﴿الله﴾ أي : الذي ليس له سميّ فلا كفء له فهو المعبود بالحق فلا شريك له بوجه ﴿الخالق﴾ أي : المقدر للأشياء على مقتضى حكمته ﴿البارئ﴾ أي : المخترع المنشئ للأشياء من العدم إلى الوجود برياً من التفاوت وقوله تعالى :﴿المصور﴾ أي : الذي يخلق صور الأشياء على ما يريد بكسر الواو ورفع الراء إما صفة، وإمّا خبر واحترزت بهذا الضبط عن قراءة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والحسن فإنهما قرأا بفتح الواو ونصب الراء، وهي قراءة شاذة وإنما تعرّضت لها لأبين وجهها، وهو أن تخرّج هذه القراءة على أن يكون المصور منصوباً بالبارئ، والمصوّر هو الإنسان إمّا آدم وإما هو وبنوه وعلى هذه القراءة يحرم الوقف على المصوّر بل يجب الوصل ليظهر النصب في الراء، وإلا فقد يتوهم منه في الوقف ما لا يجوز ﴿له﴾ أي : خاصة ﴿الأسماء الحسنى﴾ التسعة والتسعون الوارد فيها الحديث، وقد ذكرتها في سورة الإسراء. والحسنى تأنيث الأحسن ﴿يسبح﴾ أي : يكرّر التنزيه الأعظم عن كل شيء من شوائب النقص على سبيل التجدّد والاستمرار ﴿له﴾ أي : على وجه التخصيص ﴿ما في السموات﴾ أي السموات وما فيها ﴿والأرض﴾ وما فيها ﴿وهو﴾ أي : والحال أنه وحده ﴿العزيز﴾ أي : الذي يغلب كل شيء ولا يغلبه شيء ﴿الحكيم﴾ أي : الجامع الكمالات بأسرها فإنها راجعة إلى الكمال في القدرة والعلم. وعن معقل بن يسار أنّ رسول الله ﷺ قال :"من قال حين يصبح ثلاث مرات أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وقرأ الثلاث آيات من سورة الحشر وكل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يمسي، وإن مات في ذلك اليوم مات شهيداً، ومن قاله حين يمسي كان كذلك".
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٧٣
أخرجه الترمذي، وقال : حسن غريب. وعن أبي هريرة أنه قال :"سألت خليلي أبا القاسم رسول الله ﷺ عن اسم الله الأعظم فقال : عليك بآخر سورة الحشر فأكثر قراءتها فأعدت عليه فأعاد علي" وقال جابر بن زيد : إنّ اسم الله الأعظم هو الله لمكان هذه الآية. وما رواه البيضاوي تبعاً للزمخشري من أنه ﷺ قال "من قرأ سورة الحشر غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر" حديث موضوع.
٢٧٥
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٧٣