وقال هنا ﴿وكان الله﴾ أي : الملك الذي لا أمر لأحد معه أزلاً وأبداً ﴿عزيزاً﴾ أي : يغلب ولا يغلب ﴿حكيماً﴾ أي : يضع الشيء في أحكم مواضعه فلا يستطاع نقض شيء مما ينسب إليه أجيب : بأنه لما كان في جنود السموات والأرض من هو للرحمة ومن هو للعذاب وعلم الله تعالى ضعف المؤمنين ناسب أن تكون خاتمة الآية الثانية ﴿وكان الله عزيزاً حكيماً﴾.
﴿إنا﴾ أي : بما لنا من العز والحكمة ﴿أرسلناك﴾ أي : بما لنا من العظمة إلى الخلق كافة ﴿شاهداً﴾ على أفعالهم من كفر وإيمان وطاعة وعصيان من كان بحضرتك فبنفسك ومن كان بعد موتك أو غائباً عنك فبكتابك مع ما أيدناك به من الحفظة من الملائكة الكرام ﴿ومبشراً﴾ أي : لمن أطاع بأنواع البشائر ﴿ونذيراً﴾ أي مخوّفاً لمن خالفك وعصى أمرك بالنار. ثم بين تعالى فائدة الإرسال.
بقوله سبحانه :﴿ليؤمنوا بالله﴾ أي : لا يسوغ لأحد من خلقه. والكل خلقه التوجه إلى غيره ﴿ورسوله﴾ أي : الذي أرسله من له كل شيء ملكاً وخلقاً إلى جميع خلقه ﴿ويعزروه﴾ أي يعينوه وينصرونه والتعزير نصر مع تعظيم ﴿ويوقروه﴾ أي : يعظموه والتوقير التعظيم والتبجيل ﴿ويسبحوه﴾ من التسبيح الذي هو التنزيه عن جميع النقائص أو من السبحة وهي الصلاة. قال الزمخشري : والضمائر لله عز وجلّ : والمراد بتعزير الله تعزير دينه ورسوله ومن فرّق الضمائر فقد أبعد. وقال غيره : الكنايات في قوله ﴿ويعزروه ويوقروه﴾ راجعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
٢٥
وعندها تم الكلام فالوقف على ﴿ويوقروه﴾ وقف تامّ ثم يبتدئ بقوله تعالى :﴿ويسبحوه﴾ ﴿بكرةً وأصيلاً﴾ أي غدوةً وعشياً أي دائماً وعن ابن عباس صلاة الفجر وصلاة الظهر والعصر على أنّ الكناية في ﴿ويسبحوه﴾ راجعة إلى الله عز وجلّ وقال البقاعي : الأفعال الثلاثة يحتمل أن يراد بها الله تعالى لأنّ من سعى في قمع الكفار فقد فعل فعل المعزر الموقر، فيكون إما عائداً على المذكور وإمّا أن يكون جعل الأسمين واحداً إشارة إلى اتحاد المسميين في الأمر فلما اتحد أمرهما وحد الضمير إشارة إلى ذلك ا. ه فعنده أنه يصح رجوع الثلاثة إلى رسول الله ﷺ فإنه فسر ﴿ويسبحوه﴾ بقوله ينزهوه عن كل وخيمة باختلاف الوعد بدخول مكة والطواف بالبيت الحرام ونحو ذلك. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو : بالياء في الأربعة على الغيبة رجوعاً إلى قوله تعالى ﴿ليدخل المؤمنين والمؤمنات﴾ والباقون بالتاء على الخطاب ولما بين تعالى أنه مرسل ذكر أنّ من بايع رسوله فقد بايعه. فقال تعالى :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٣
﴿إنّ الذين يبايعونك﴾ يا أشرف الرسل بالحديبية على أن لا يفروا ﴿إنما يبايعون الله﴾ أي : الملك الأعظم لأنّ عملك كله من قول أو فعل له تعالى وما ينطق عن الهوى وسميت مبايعة لأنهم باعوا أنفسهم فيها من الله تعالى بالجنة قال الله تعالى :﴿إنّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنة﴾ (التوبة : ١١١)
الآية "وروى يزيد بن أبي عبيد قال : قلت لسلمة بن الأكوع على أيّ شيء بايعتم رسول الله ﷺ يوم الحديبية قال : على الموت" وعن معقل بن يسار قال :"لقد رأيتني يوم الشجرة والنبيّ ﷺ يبايع الناس وأنا رافع غصناً من أغصانها عن رأسه ونحن أربعة عشر مائة قال : لم نبايعه على الموت ولكن بايعناه على أن لا نفرّ" قال أبو عيسى : معنى الحديثين صحيح بايعه جماعة على الموت. أي لا نزال نقاتل بين يديك ما لم نقتل وبايعه آخرون وقالوا : لا نفر. وقوله تعالى :﴿يد الله﴾ أي : المتردّي بالكبرياء ﴿فوق أيديهم﴾ أي : في المبايعة يحتمل وجوهاً وذلك أنّ اليد في الموضعين إما أن تكون بمعنى واحد وإمّا أن تكون بمعنيين فإن كانت بمعنى واحد ففيه وجهان : أحدهما قال الكلبي : نعمة الله عليهم في الهداية فوق ما صنعوا
٢٦
من البيعة كما قال تعالى :﴿بل الله يمنّ عليكم أن هداكم للإيمان﴾ (الحجرات : ١٧)
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٦