قال بعض العلماء : كان بين إسلام صفوان وبين إسلام امرأته نحو من شهر، قال : ولم يبلغنا أنّ امرأة هاجرت إلى رسول الله ﷺ وزجها كافر مقيم بدار الحرب إلا فرقت هجرتها بينها وبين زوجها، إلا أن يقدم زوجها مهاجراً قبل أن تنقضي عدتها. وقال بعضهم : ينفسخ النكاح بينهما لما روى يزيد بن علقمة قال : أسلم جدّي ولم تسلم جدّتي ففرق بينهما عمر، وهو قول طاوس وعطاء والحسن وعكرمة قالوا : لا سبيل له عليها إلا بخطبة ﴿واسألوا﴾ أي : أيها المؤمنون الذين ذهبت زوجاتهم إلى الكفار مرتدّات ﴿ما أنفقتم﴾ أي : من مهور نسائكم ﴿وليسألوا﴾ أي : الكفار ﴿ما أنفقوا﴾ أي : من مهور أزواجهم اللائي أسلمن. قال المفسرون : كان من ذهب من المسلمات مرتدّات إلى الكفار من أهل العهد يقال للكفار : هاتوا مهرها، ويقال للمسلمين : إذا جاء أحد من الكافرات مسلمة مهاجرة ردّوا إلى الكفار مهرها، وكان ذلك نصفاً وعدلاً بين الحالين ﴿ذلكم﴾ أي : الحكم الذي ذكر في هذه الآيات البعيدة تعلق الرتبة عن كل سفيه ﴿حكم الله﴾ أي : الملك الذي له صفات الكمال، فلا تلحقه شائبة نقص ﴿يحكم﴾ أي : الله إذ حكمه على سبيل المبالغة ﴿بينكم﴾ أي : في هذا الوقت وفي غيره على هذا المنهاج البديع، وذلك لأجل الهدنة التي كانت وقعت بين النبيّ ﷺ وبينهم، وأمّا قبل الحديبية فكان النبيّ ﷺ يمسك النساء ولا يردّ الصداق
٢٨٥
﴿والله﴾ أي : الذي له الإحاطة التامّة ﴿عليم﴾ أي : بالغ العلم لا يخفى عليه شيء ﴿حكيم﴾ أي : فهو لتمام علمه يحكم كل أموره غاية الأحكام، فلا يستطيع أحد نقض شيء منها.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٨٢
روي أن المسلمين قالوا : رضينا بما حكم الله تعالى، وكتبوا إلى المشركين فامتنعوا فنزل قوله تعالى :﴿وإن فاتكم شيء من أزواجكم﴾ أي : واحدة فأكثر منهن، أو شيء من مهورهن بالذهاب ﴿إلى الكفار﴾ مرتدات ﴿فعاقبتم﴾ فغزوتم وغنمتم من أموال الكفار فجاءت نوبة ظفركم بأداء المهر إلى إخوانكم طاعة وعدلاً عقب نوبتهم التي اقتطعوا فيها ما أنفقتم ظلماً ﴿فآتوا﴾ أي : فاحضروا وأعطوا من مهر المهاجرة ﴿الذين ذهبت أزواجهم﴾ أي : منكم من الغنيمة ﴿مثل ما أنفقوا﴾ أي : لفواته عليهم من جهة الكفار. روى الزهري عن عروة عن عائشة أنها قالت : حكم الله تعالى بينهم فقال جلّ ثناؤه ﴿واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا﴾ فكتب إليهم المسلمون قد حكم الله تعالى بيننا بأنه إن جاءتكم امرأة منا أن توجهوا إلينا صداقها، وإن جاءتنا امرأة منكم وجهنا إليكم بصداقها، فكتبوا أما نحن فلا نعلم لكم عندنا شيئاً فإن كان لنا عندكم شيء فوجهوا به فأنزل الله تعالى :﴿وإن فاتكم شيء من أزواجكم﴾ الآية. وقال ابن عباس : في قوله تعالى :﴿ذلكم حكم الله﴾ أي : بين المسلمين والكفار من أهل العهد من أهل مكة يرد بعضهم على بعض. قال الزهري : ولولا العهد لأمسك النساء ولم يرد عليهم صداقاً، وقال قتادة ومجاهد : إنما أمروا أن يعطوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا من الفيء والغنيمة، وقالا : هي فيمن بيننا وبينه عهد، وقالا : فمعنى ﴿فعاقبتم﴾ فاقتصصتم ﴿فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل مثل ما أنفقوا﴾ أي : من المهور. وقال ابن عباس : معنى الآية إن لحقت امرأة مؤمنة بكفار أهل مكة، وليس بينكم وبينهم عهد، ولها زوج مسلم قبلكم فغنمتم فأعطوا هذا الزوج المسلم مهره من الغنيمة قبل أن تخمس. وقال الزهري : يعطي من مال الفيء، وعنه يعطى من صداق من لحق بها
تنبيه : محصل مذهب الشافعي في هذه الآية : أنّ الهدنة لو عقدت بشرط أن يردوا من جاءهم منا مرتداً صح، ولزمهم الوفاء به سواء أكان رجلاً أو امرأة، حرّاً أو رقيقاً، فإن امتنعوا من ردّه فناقضون للعهد لمخالفتهم الشرط، أو عقدت على أن لا يردوه جاز، ولو كان المرتدّ امرأة فلا يلزمهم ردّه لأنه ﷺ شرط ذلك في مهادنة قريش، حيث قال لسهل بن عمرو وقد جاء رسولاً منهم "من جاءنا منكم رددناه، ومن جاءكم منا فسحقاً سحقاً" ومثله ما لو أطلق العقد كما فهم بالأولى، ويغرمون فيهما مهر المرتدّة. فإن قيل : لم غرموا مهر المرتدّة، ولم نغرم نحن مهر المسلمة على ما تقدم من الخلاف ؟
أجيب : بأنهم قد فوتوا عليه الاستتابة الواجبة علينا، وأيضاً المانع جاء من جهتها، والزوج غير متمكن منها بخلاف المسلمة الزوج متمكن منها بالإسلام، وكذا يغرمون قيمة رقيق ارتدّ دون الحرّ، فإن عاد الرقيق المرتد إلينا بعد أخذنا قيمته رددناها عليهم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٨٢
بخلاف نظيره في المهر لأنّ الرقيق بدفع القيمة يصير ملكاً لهم، والنساء لا يصرن زوجات.
فإن قيل : كونه يصير ملكاً لهم مبنى على جواز بيع المرتد للكافر، والصحيح خلافه.
٢٨٦
أجيب : بأنّ هذا ليس مبنياً عليه لأن هذا ليس بيعاً حقيقة فاغتفر ذلك أجل المصلحة، وإن شرطنا عدم الرد.