صلى الله عليه وسلم كف امراة قط. وروي أنها قالت : كان النبي ﷺ يبايع النساء بالكلام بهذه الآية ﴿أن لا يشركن بالله شيئاً﴾ إلى آخرها قالت : وما مست يد رسول الله ﷺ يد امرأة إلا امرأة يملكها" وقالت أميمة بنت رقيقة "بايعت رسول الله ﷺ في نسوة فقال فيما استطعتن أطعن، فقلت : لرسول الله ﷺ ارحم بنا من أنفسنا، وقلت : يا رسول الله صافحنا، فقال إني لا أصافح النساء إنما قولي لامرأة كقولي لمائة امرأة". وروي "أنه ﷺ بايع النساء وبين يديه وأيديهن ثوب، وكان يشترط عليهن" وقالت أم عطية :"لما قدم رسول الله ﷺ المدينة جمع نساء الأنصار في بيت، ثم أرسل إلينا عمر بن الخطاب فقام على الباب فسلم فرددن عليه السلام فقال : أنا رسول رسول الله ﷺ إليكن أن لا تشركن بالله شيئاً الآية، فقلن نعم، فمد يده من خارج البيت ومددنا أيدينا من داخل البيت، ثم قال : اللهم اشهد" وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي ﷺ "كان إذا بايع النساء دعا بقدح من ماء فغمس يده فيه فغمسن أيديهن فيه" وروي أنه ﷺ لما فرغ من بيعة الرجال يوم الفتح لمكة، وهو على الصفا وعمر بن الخطاب أسفل منه وهو يبايع النساء بأمر رسول الله ﷺ ويبلغهن عنه أن لا يشركن بالله شيئاً، وهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان متنقبة متنكرة مع النساء خوفاً من رسول الله ﷺ أن يعرفها لما صنعت بحمزة يوم أحد، فقالت : والله إنك لتأخذ علينا أمراً ما رأيتك أخذته على الرجال، وكان بايع الرجال يومئذ على الإسلام والجهاد فقط، فقال النبي ﷺ ولا يسرقن، فقالت هند إن أبا سفيان رجل شحيح، وإني أصيب من ماله قوتنا فلا أدري أيحل لي أم لا، فقال أبو سفيان : ما أصبت من شيء فيما مضى وما غير فهو حلال، فضحك رسول الله ﷺ وعرفها، فقال لها :"وإنك لهند بنت عتبة"، قالت : نعم فاعف عما سلف عفا الله عنك.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٨٧
وروي أنها قالت : يا رسول الله إن أبا سفيان رجل مسيك، فهل عليّ حرج إن أخذت ما يكفيني وولدي، قال :"لا إلا بالمعروف" فخشيت هند أن تقتصر على ما يعطيها فتضيع و تأخذ أكثر من ذلك فتكون سارقة ناكثة للبيعة المذكورة، فقال لها النبي ﷺ ذلك أي لا حرج عليك فيما أخذت بالمعروف من غير استطالة إلى أكثر من الحاجة، ثم قال : ولا يزنين، فقالت هند : أوتزني الحرة، فقال : ولا يقتلن أولادهن أي : بالوأد، ولا يسقطن الأجنة، فقالت هند : ربيناهم صغاراً وقتلتهم يوم بدر كباراً، وأنت وهم أعلم، وكان ابنها حنظلة بن أبي سفيان قتل يوم بدر فضحك عمر حتى استلقى وتبسم رسول الله ﷺ ثم قال :﴿ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن﴾ فقالت : والله إن البهتان لأمر قبيح، وما تأمرنا إلا بالرشد ومكارم الأخلاق، فقال :
٢٨٨
﴿ولا يعصينك في معروف﴾ فقالت : والله ما جلسنا مجلسنا هذا، وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء قال أكثر المفسرين : معناه لا يلحقن بأزواجهن ولداً من غيرهن، وكانت المرأة تلتقط ولداً تلحقه بزوجها وتقول : هذا ولدي منك فكان من البهتان والافتراء.
وهذا عام في الإتيان بولد وإلحاقه بالزوج، وإن سبق النهي عن الزنا.
تنبيه : ذكر تعالى في هذه الآية لرسوله ﷺ في صفة البيعة خصالاً ستاً صرح فيهن بأركان النهي، ولم يذكر أركان الأمر وهي ست أيضاً : الشهادة، والزكاة، والصلاة، والصيام، والحج، والاغتسال من الجناب، وذلك لأن النهي دائم في كل زمان ومكان، وكل الأحوال فكان التنبيه على اشتراط الدائم آكد.
وقيل : إن هذه المناهي كانت في النساء كثيراً ممن يرتكبها، ولا يحجزهن عنها شرف النسب فخصت بالذكر لهذا، ونحو هذا قوله ﷺ لوفد عبد القيس "وأنهاكم عن الدباء والحنتم والنقير والمزفت" فنبههم على ترك المعصية في شرب الخمر دون سائر المعاصي لأنها كانت شهوتهم وعادتهم، وإذا ترك المرء شهوته من المعاصي هان عليه ترك سائرها مما لا شهوة فيها.
ولما كان الإنسان محل النقصان لا سيما النسوان رجاهن سبحانه بقوله تعالى :﴿واستغفر﴾ أي : اسأل ﴿لهن الله﴾ أي : الملك الأعظم ذا الجلال والإكرام في الغفران إن وقع منهن تقصير وهو واقع، لأنه لا يقدر أحد أن يقدر الله تعالى حق قدره ﴿إن الله﴾ أي : الذي له صفات الكمال ﴿غفور﴾ أي : بالغ الستر للذنوب عيناً وأثراً ﴿رحيم﴾ أي : بالغ الإكرام بعد الغفران تفضلاً منه وإحساناً.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٨٧
وروي أن ناساً من فقراء المسلمين كانوا يواصلون اليهود ليصيبوا من ثمارهم فنهاهم الله عن ذلك بقوله تعالى :
﴿يأيها الذين آمنوا لا تتولوا﴾ أي : لا تعالجوا أنفسكم أن توالوا ﴿قوماً﴾ أي : ناساً لهم قوة على ما يحاولونه فغيرهم من باب أولى ﴿غضب الله﴾ أي : أوقع الملك الأعلى الغضب ﴿عليهم﴾ لإقبالهم على ما أحاط بهم من الخطايا، فهو عام في كل من اتصف بذلك يتناول اليهود تناولاً أولياً ﴿قد يئسوا﴾ أي : تحققوا عدم الرجاء ﴿من الآخرة﴾ أي : من ثوابها مع إيقانهم بها لعنادهم النبي ﷺ مع علمهم أنه الرسول المبعوث في التوراة ﴿كما يئس الكفار من أصحاب القبور﴾ أي من موتاهم أن يبعثوا ويرجعوا أحياء.
وقيل : من أصحاب القبور بيان للكفار، أي : كما يئس الكفار الذين قبروا من خير الآخرة، إذ تعرض عليهم مقاعدهم من الجنة لو كانوا آمنوا، وما يصيرون إليه من النار فيتبين لهم قبح حالهم، وسوء منقلبهم. وما قاله البيضاوي تبعاً للزمخشري من أنه ﷺ قال :"من قرأ سورة الممتحنة كان له المؤمنون والمؤمنات شفعاء يوم القيامة" حديث موضوع.
٢٨٩
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٨٧


الصفحة التالية
Icon