ولما ذكر ما في الإنفاق من الخير عمم في جميع الأوامر بقوله تعالى :﴿ومن يوق شح نفسه﴾ فيفعل في ماله جميع ما أمر به موقناً به مطمئناً إليه حتى يرتفع عن قلبه الإخطار، ويتحرر عن رق المكنونات، والشح خلق باطنى هو الداء العضال، والبخل فعل ظاهر ينشأ عن الشح، والنفس تارة تشح بترك الشهوة من المعاصي فتفعلها، وتارة بإعطاء الأعضاء في الطاعات فتتركها وتارة بإنفاق المال ومن فعل ما فرض عليه خرج من الشح. ولما كان الواقي هو الله تعالى سبب عن وقايته قوله تعالى :﴿فأولئك﴾ أي : العالو الرتبة ﴿هم المفلحون﴾ أي : الفائزون الذين حازوا جميع المرادات بما اتقوا الله فيه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٢٥
ثم رغب في الإنفاق بقوله تعالى :﴿إن تقرضوا الله﴾ أي : الملك الأعلى ذا الغنى المطلق الحائز لجميع صفات الكمال ﴿قرضاً حسناً﴾ والقرض الحسن هو التصدق من الحلال مع طيب النفس ومع الإخلاص والمبادرة ﴿يضاعفه لكم﴾ أي : لأجلكم خاصة أقل ما يكون بالواحد عشراً إلى ما لا يتناهى على حسب النيات.
قال القشيري : يتوجه الخطاب بهذا على الأغنياء في بذل أموالهم، وعلى الفقراء في إخلاء أيامهم وأوقاتهم من مروآتهم وإيثار مراد الحق على مراد أنفسهم، فالغني يقال له آثر حكمي على مرادك في مالك وغيره، والفقير يقال له : آثر حكمي في نفسك وقلبك ووقتك.
ولما كان الإنسان لما له من النقصان وإن اجتهد لا يبلغ جميع ما أمر به لأن الدين وإن كان يسيراً فهو متين لن يشاده أحد إلا غلبه قال تعالى :﴿ويغفر لكم﴾ أي : يوقع الغفران وهو محو ما فرط عينه وأثره ﴿والله﴾ أي : الذي لا تقاس عظمته بشيء ﴿شكور﴾ أي : بليغ الشكر لمن يعطي لأجله، ولو كان قليلاً فيثيبه ثواباً جزيلاً خارجاً عن الحصر، وهو ناظر إلى المضاعفة ﴿حليم﴾ فلا يعجل بالعقوبة على ذنب من الذنوب، وإن عظم بل يمهل طويلاً ليتذكر العبد الإحسان مع العصيان فيتوب، ولا يهمل ولا يغتر بحلمه فإن غضب الحليم لا يطاق، وهو راجع إلى الغفران.
﴿عالم الغيب﴾ وهو ما غاب عن الخلق كلهم فيشمل ما هو داخل القلب مما تؤثره الجبلة، ولا علم لصاحب القلب به فضلاً عن غيره ﴿والشهادة﴾ وهو كل ما ظهر وكان بحيث يعلمه الخلق، وهذا الوصف داع إلى الإحسان من حيث إنه موجب للمؤمن ترك ظاهر الإثم وباطنه، وكل قصور وفتور وغفلة وتهاون فيعبد الله تعالى كأنه يراه ﴿العزيز﴾ أي : الذي يغلب كل شيء ولا يغلبه شيء ﴿الحكيم﴾ أي : بالغ الحكمة التي يعجز عن إدراكها الخلائق.
وقال ابن الأنباري : الحكيم : هو المحكم لخلق الأشياء، فصرف عن مفعل إلى فعيل، ومنه قوله تعالى :﴿الم تلك آيات الكتاب الحكيم﴾ (لقمان : ١ ـ ٢)
معناه : المحكم فصرف من مفعل إلى فعيل، وما قاله البيضاوي تبعاً للزمخشري من أنه ﷺ قال "من قرأ سورة التغابن رفع عنه موت الفجأة" حديث موضوع.
٣٣٣
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٢٥


الصفحة التالية
Icon