جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٤٦
ثم استأنف الجواب عمن يقول هل لها غير هذا في غير هذه الدار بقوله تعالى :
﴿أعد الله﴾ أي : الملك الأعظم ﴿لهم﴾ بعد الموت وبعد البعث ﴿عذاباً شديداً﴾ وفي ذلك تكرير للوعيد وبيان لما يوجب التقوى المأمور بها ﴿فاتقوا الله﴾ أي : الذي له الأمر كله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه ﴿يا أولي الألباب﴾ أي : يا أصحاب العقول الصافية النافذة من الظواهر إلى البواطن، وقوله تعالى :﴿الذين آمنوا﴾ منصوب بإضمار أعني بياناً للمنادى في قوله تعالى :﴿يا أولي الألباب﴾ أو يكون عطف بيان للمنادى أو نعتاً له، أي : خلصوا من دائرة الشرك وأوجدوا الإيمان حقيقة ﴿قد أنزل الله﴾ أي : الذي له صفات الكمال ﴿إليكم ذكراً﴾ هو القرآن، وفي نصب.
﴿رسولاً﴾ أوجه :
أحدها : قال الزجاج والفارسي : إنه منصوب بالمصدر المنون قبله، لأنه ينحل لحرف مصدري وفعل، كأنه قيل : أن ذكر رسولاً، ويكون ذكره الرسول قوله : محمد رسول الله، والمصدر المنون عامل كقوله تعالى ﴿أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيماً﴾ (البلد : ١٤ ـ ١٥)
الثاني : جعل نفس الذكر مبالغة فأبدل منه، ويكون محمولاً على المعنى كأنه قال : قد أظهر لكم ذكراً رسولاً، فيكون من باب بدل الشيء من الشيء، وهو هو.
الثالث : أنه بدل منه على حذف مضاف من الأول تقديره : أنزل ذا ذكر رسولاً.
الرابع : أنه بدل منه على حذف مضاف من الثاني أي : ذكراً ذكر رسول.
الخامس : أنه منصوب بفعل مقدر، أي : وأرسل رسولاً ﴿يتلو عليكم آيات الله﴾ هي دلائل الملك الأعظم الظاهرة جداً حال كونها ﴿مبينات﴾ أي : لا لبس فيها بوجه. واختلف الناس في رسولاً هل هو النبي ﷺ أو جبريل ؟
الأكثر على الأول واقتصر عليه الجلال المحلي، واقتصر الزمخشري على الثاني، وهو قول الكلبي. وقرأ ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي بكسر الياء بعد الموحدة، والباقون بالفتح ﴿ليخرج الذين أمنوا ﴾ أي : أقروا بالشهادتين ﴿وعملوا﴾ تصديقاً لما قالوه بألسنتهم وتحقيقاً لأنه من قلوبهم ﴿الصالحات﴾ أي : ليحصل لهم ما هم عليه الآن من الإيمان والعمل الصالح، أو ليخرج من علم أو قدر أنه مؤمن ﴿من الظلمات﴾ أي : الضلالة ﴿إلى النور﴾ أي : الهدى.
﴿ومن يؤمن بالله﴾ أي : يجدد في كل وقت على الدوام الإيمان بالملك الأعلى بأن لا يزال في ترق في معارج معارفه ﴿ويعمل﴾ على التجديد المستمر ﴿صالحاً﴾ لله وفي الله فله دوام النعماء، وهو معنى إدخاله الجنة كما قال تعالى :﴿يدخله﴾ أي : عاجلاً مجازاً بما يفتح الله له من لذات المعارف ويفتح له من الأنس، وآجلاً حقيقة ﴿جنات﴾ أي : بساتين هي في غاية ما يكون من جمع جميع الأشجار وحسن الدار وبين دوام ريها بقوله تعالى :﴿تجري من تحتها﴾ أي : من تحت غرفها ﴿الأنهار﴾ فهي في غاية الري بحيث أن ساكنها يجري في أي موضع أراد نهراً.
٣٤٧
وقرأ نافع وابن عامر ندخله بالنون، والباقون بالياء التحتيه. ﴿خالدين فيها﴾ وأكد معنى الخلود بقوله تعالى :﴿أبداً﴾ ليفهم الدوام بلا انقضاء. وقوله تعالى :﴿قد أحسن الله﴾ أي : الملك الأعلى ذو الجلال والإكرام ﴿له﴾ أي : خاصة ﴿رزقاً﴾ أي : عظيماً عجيباً فيه تعجب وتعظم لما رزقوا من الثواب.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٤٦
وقال القشيري : الحسن ما كان على حد الكفاية لا نقصان فيه يتعطل عن أموره بسببه، ولا زيادة تشغله عن الاستمتاع بما رزق لحرصه، كذلك أرزاق القلوب أحسنها أن يكون له من الأحوال ما يستقل بها من غير نقصان ولا زيادة لا يقدر على الاستمرار عليها.
ثم بين كمال قدرته بقوله تعالى :﴿الله﴾ أي : الذي له جميع صفات الكمال التي القدرة الشاملة إحداها :﴿الذي خلق﴾ أي : أوجد وحده من العدم بقدرته على وفق ما دبر بعلمه على هذا المنوال الغريب البديع ﴿سبع سموات﴾ أي : وأنتم تشهدون عظمة ذلك، وتشهدون أنه لا يقدر عليه إلا تام القدرة والعلم الكامل ﴿ومن الأرض مثلهن﴾ أي : سبعاً أما كون السموات سبعاً بعضها فوق بعض فلا خلاف فيه لحديث الإسراء وغيره.


الصفحة التالية
Icon