جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٥١
وروى الدارقطني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه أتاه رجل فقال : إني جعلت امرأتي علي حراماً، فقال : كذبت ليست عليك بحرام وتلا عليه هذه الآية. وذهب جماعة إلى أنه يمين فإن قال ذلك لزوجته أو جاريته فلا تجب الكفارة ما لم يقربها، كما لو حلف لا يأكله فلا كفارة عليه ما لم يأكله، يروى ذلك عن أبي بكر وعائشة، وبه قال الأوزاعي وأبو حنيفة.
وعند أبي حنيفة إن نوى الطلاق بالحرام كان بائناً، وإن قال : كل حلال عليه حرام فعلى الطعام والشراب إذا لم ينو، وإلا فعلى ما نوى، نقله الزمخشري. وعن عمر : إذا نوى الطلاق فرجعي، وعن علي : ثلاث، وعن زيد واحدة بائنة.
وعن ابن عباس رصي الله عنهما قال : إذا حرم الرجل امرأته فهي يمين يكفرها، وقال : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة. قال مقاتل : فأعتق رسول الله ﷺ في هذه الواقعة رقبة. قال
٣٥٣
زيد بن أسلم : وعاد إلى مارية، وقال الحسن : لم يكفر عليه السلام لأنه مغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وكفارة اليمين في هذه السورة إنما أمر بها الأمة. قال ابن عادل : والأول أصح، وأن المراد بذلك النبي ﷺ ثم الأمة تقتدي به في ذلك ﴿والله﴾ أي : والحال أن المختص بأوصاف الكمال ﴿مولاكم﴾ أي : يفعل معكم فعل القريب الصديق فهو سيدكم ومتولي أموركم ﴿وهو﴾أي : وحده ﴿العليم﴾ أي : البالغ العلم بمصالحكم وغيرها إلى ما لا نهاية له. ﴿الحكيم﴾ أي : الذي يضع كل ما يصدر عنه لكم في أتقن محاله بحيث لا يقدر غيره أن يغيره ولا شيئاً منه.
والعامل في قوله تعالى :﴿وإذ﴾ اذكر فهو مفعول به لا ظرف، والمعنى اذكر إذ ﴿أسرّ النبي﴾ أي : الذي شأنه أن يرفعه الله تعالى دائماً فإنه ما ينطق عن الهوى ﴿إلى بعض أزواجه﴾ وأبهمها لم يعينها تشريفاً له ﷺ ولها وهي حفصة صيانة لهن لأن حرمتهن من حرمته ﷺ ﴿حديثاً﴾ ليس هو من شأن الرسالة ولو كان من شأنها لعم به ولم يخص به، ولا أسره وذلك هو تحريمه فتاته على نفسه، وقوله لحفصة : لا تخبري بذلك أحداً، وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما : أسرّ أمر الخلافة بعده فحدثت حفصة، وقال الكلبي : أسرّ إليها إن أباك وأب عائشة يكونان خليفتين على أمتي من بعدي، وقال ميمون بن مهران : أسر أن أبا بكر خليفتي من بعدي ﴿فلما نبأت﴾ أي : أخبرت ﴿به﴾ عائشة ظناً منها أنه لا حرج عليها في ذلك ﴿وأظهره الله﴾ أي : أطلعه الملك الذي له الإحاطة بكل شيء ﴿عليه﴾ أي : الحديث على لسان جبريل عليه السلام بأنه قد أفشى مناصحة له في إعلامه بما يقع في غيبته ليحذره إن كان شراً ويثبت عليه إن كان خيراً وقيل : أظهر الله الحديث على النبي ﷺ من الظهور ﴿عرف﴾ أي : النبي ﷺ التي أسرّ إليها ﴿بعضه﴾ أي : بعض ما فعلت ﴿وأعرض عن بعض﴾ أي : إعلام بعض تكرماً منه أن يستقصي في العبارات وحياء وحسن عشرة، قال الحسن : ما استقصى كريم قط، وقال سفيان : ما زال التغافل من فعل الكرام، وإنما عاتبها على ذكر الإمامة وأعرض عن ذكر الخلافة خوفاً من أن ينتشر في الناس، فربما أثار حسد بعض المنافقين وأورث الحسود للصديق كيداً.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٥١
وقال بعض المفسرين : إنه أسر إلى حفصة شيئاً فحدثت به غيرها فطلقها مجازاة على بعضه، ولم يؤاخذها بالباقي وهو من قبيل قوله تعالى :﴿وما تفعلوا من خير يعلمه الله﴾ (البقرة : ١٩٧) أي : يجازيكم عليه، وقيل : المعرّف حديث الإمامة، والمعرض عنه حديث مارية. وروي "أنه قال لها : ويلك ألم أقل لك أكتمي علي، قالت : والذي بعثك بالحق نبياً ما ملكت نفسي فرحاً بالكرامة التي خص الله تعالى بها أباها" ﴿فلما نبأها به﴾ أي : بما فعلت على وجه لم يغادر من ذلك الذي عرفها به شيئاً منه، ولا من عوارضه لتزداد بصيرة.
روي أنها قالت لعائشة سراً فأنا أعلم أنها لا تظهره، قاله الملوي، وهو معنى قوله تعالى :﴿قالت﴾ أي : ظناً منها أن عائشة أفشت عليها ﴿من أنبأك هذا﴾ أي : من أخبرك أني أفشيت السر ﴿قال نبأني﴾ وحذف المتعلق اختصاراً للفظ وتكسيراً للمعنى بالتعميم إشارة أنه أخبره بجميع ما دار بينها وبين عائشة على أتم ما كان. ﴿العليم﴾ أي : المحيط العلم ﴿الخبير﴾ أي : المطلع على الضمائر والظواهر، فهو أولى أن يحذر فلا يتكلم سراً أو جهراً إلا بما يرضيه.
٣٥٤


الصفحة التالية
Icon