جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٢
قوله تعالى :﴿وهو الذي كف﴾ أي : وحده ﴿أيديهم﴾ أي : الذين كفروا من أهل مكة وغيرهم. فإنّ الكف مشروع لكل أحد ﴿عنكم وأيديكم﴾ أيها المؤمنون ﴿عنهم ببطن مكة﴾ أي : بالحديبية وقيل التنعيم. وقيل وادي مكة. وقيل : داخل مكة ﴿من بعد أن أظفركم﴾ أي : أظهركم ﴿عليهم﴾ وهذا تبيين لما تقدّم من قوله تعالى :﴿ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار﴾ (الفتح : ٢٢)
بتقدير أنه كما كف أيديهم عنكم بالفرار وأيديكم عنهم بالرجوع عنهم وتركهم روى ثابت عن أنس بن مالك "أن ثمانين رجلاً من أهل مكة هبطوا على رسول الله ﷺ من جبل التنعيم متسلحين يريدون غرّة النبي ﷺ وأصحابه فأخذهم سلماً فاستحياهم فنزلت هذه الآية". وقال عبد الله بن مغفل
٣٤
المزني : كنا مع النبي ﷺ بالحديبية في أصل الشجرة التي قال الله في القرآن وعلى ظهره غصن من أغصان تلك الشجرة فرفعته عن ظهره وعلي بن أبي طالب بين يديه يكتب كتاب الصلح فخرج علينا ثلاثون شاباً عليهم السلاح فثاروا في وجوهنا فدعا عليهم نبيّ الله ﷺ فأخذ الله أبصارهم فقمنا إليهم فأخذناهم فقال لهم رسول الله ﷺ جئتم في عهد أو هل جعل لكم أحد أماناً قالوا : اللهم لا فخلى سبيلهم فأنزل الله تعالى هذه الآية وعن ابن عباس أظهر الله المسلمين عليهم بالحجارة حتى أدخلوهم البيوت وقيل : إن ذلك كان يوم فتح مكة وبه استشهد أبو حنيفة على أنّ مكة فتحت عنوة لا صلحاً ﴿وكان الله﴾ أي : المحيط بالجلال والإكرام أزلاً وأبداً وقرأ ﴿بما يعملون﴾ أبو عمرو : بالياء التحتية أي الكفار.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٤
والباقون بالتاء الفوقية، أي : أنتم ﴿بصيرا﴾ أي : محيط العلم ببواطن ذلك كما هو محيط بظواهره ولما كان ما مضى من وصف الكفار يشمل كفار مكة وغيرهم عينهم بسبب كفهم النبيّ ﷺ والمؤمنين عن البيت الحرام.
بقوله تعالى :﴿هم﴾ أي : أهل مكة ومن لاقهم ﴿الذين كفروا﴾ أي : أوغلوا في هذا الوصف ببواطنهم وظواهرهم ﴿وصدّوكم﴾ زيادة على كفرهم في عمرة الحديبية ﴿عن المسجد الحرام﴾ أي : منعوكم الوصول إلى مكة ونفس المسجد والكعبة للإحلال مما أنتم فيه من شعائر الإحرام بالعمرة.
روى الزهري عن عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم كل منهما يصدق حديث صاحبه قالا : خرج رسول الله ﷺ من المدينة عام الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه يريد زيارة البيت لا يريد قتالاً وساق معه سبعين بدنة والناس سبعمائة رجل وكانت كل بدنة عن عشرة نفر فلما أتى ذا الحليفة قلد الهدي وأشعره وأحرم منها بعمرة وبعث عيناً له من خزاعة يخبره عن قريش فسار النبي ﷺ حتى إذا كان بغدير الإشطاط قريباً من عسفان أتاه عتبة الخزاعي.
وقال : إنّ قريشاً قد جمعوا لك جموعاً وقد جمعوا لك الأحابيش، وهم مقاتلوك وصادّوك عن البيت الحرام.
فقال النبيّ ﷺ أشيروا عليّ أيها الناس أترون أني أميل على ذراري هؤلاء الذين عاونوهم فنصيبهم فإن قعدوا قعدوا موتورين وإن لجوا تكن عنقاً قطعها الله أو ترون نؤم البيت فمن صدنا عنه قاتلناه فقال أبو بكر يا رسول الله إنما جئت عامداً لهذا البيت لا نريد قتال أحد ولا حرباً فتوجه له فمن صدنا عنه قاتلناه قال امضوا على اسم الله فنفروا قال النبيّ ﷺ إنّ خالداً بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة فخذوا ذات اليمين فوالله ما شعر بهم خالد حتى إذا هم بغبرة الجيش فانطلق يركض نذيراً لقريش وسار النبي ﷺ حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت به راحلته. فقال الناس : حل حل فألحت فقالوا : خلأت أي حرنت القصواء.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٤
فقال النبيّ ﷺ ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل، ثم قال : والذي نفسي بيده لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يعظمون فيها حرمات الله وفيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها ثم زجرها فوثبت. قال : فعدل حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل من الماء يتبرضه الناس تبرضاً فلم تلبث الناس أن نزحوه وشكا الناس إلى النبيّ ﷺ العطش فنزع سهماً من
٣٥