﴿فلما رأوه﴾ أي : العذاب بعد الحشر ﴿زلفة﴾ أي : ذا قرب عظيم منهم ﴿سيئت﴾ قال ابن عباس رضي الله عنهما : أي : اسودّت ﴿وجوه﴾ وأظهر في موضع الإضمار تعميماً وتعليقاً للحكم بالوصف فقال تعالى :﴿الذين كفروا﴾ أي : أظهروا السوء وغاية الكراهة في وجوه من أوقع هذا الوصف.
تنبيه : الأصل ساء، أي : أحزن وجوههم العذاب ورؤيته ثم بني للمفعول وساء هنا ليست المرادفة لبئس.
وأشم كسرة السين نافع وابن عامر والكسائي والباقون باختلاس الكسرة. وقيل : أي : قال لهم الخزنة تقريعاً وتوبيخاً ﴿هذا الذي كنتم﴾ أي : جبلة وطبعاً ﴿به﴾ أي : بسببه ومن أجله ﴿تدّعون﴾ أي : تتمنون وتسألون وتزعمون أنكم لا تبعثون، وهذه حكاية حال تأتي عبر عنها بطريق المضي لتحقق وقوعها، وقرأ هشام والكسائي بضم القاف والباقون بكسرها.
﴿قل﴾ أي : يا أكرم الخلق لهؤلاء الذين طال تضجرهم منك وهم يتمنون هلاكك كما قال تعالى :﴿أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون﴾ (الطور : ٣٠) ﴿أرأيتم﴾ أي : أخبروني خبراً أنتم في الوثوق به على ما هو كالرؤية ﴿إن أهلكني الله﴾ أي : أماتني بعذاب أو غيره الذي له من الجلال والإكرام ما يعصم به وليه ويقصم عدوه.
وقرأ : قل أرأيتم في الموضعين، نافع بتسهيل الهمزة بعد الواو، ولورش أيضاً إبدالها ألفاً وأسقطها الكسائي والباقون بالتحقيق وإذا وقف حمزة سهل الهمزة، وقرأ :﴿إن أهلكني الله﴾ حمزة بسكون الياء والباقون بفتحها، ومن سكن الياء رقق اللام من الاسم الجليل ومن فتحها فخم ﴿ومن معي﴾ أي : من المؤمنين ﴿أو رحمنا﴾ أي : بالنصر وإظهار الإسلام كما نرجو فأنجانا بذلك من كل سوء ووقانا كل محذور، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحفص بفتح الياء والباقون بالسكون ﴿فمن يجير الكافرين﴾ أي : العريقين في الكفر بأن يدفع عنهم ما يدفع الجار عن جاره ﴿من عذاب أليم﴾ أي : لا مجير لهم منه.
﴿قل﴾ أي : يا خير الخلق ﴿هو﴾ أي : الله وحده ﴿الرحمن﴾ أي : الشامل الرحمة ﴿آمنا به﴾ أي : أنا ومن معي ﴿وعليه﴾ أي : وحده ﴿توكلنا﴾ أي : لأنه لا شيء في يد غيره وإلا لرحم من يريد عذابه أو عذب من يريد رحمته، فكل ما جرى على أيدي خلقه من رحمة أو نقمة فهو الذي أجراه لأنه الفاعل بالذات المستجمع لما يليق به من الصفات فنحن نرجو خيره ولا نخاف غيره ﴿فستعلمون﴾ أي عند معاينة العذاب عما قليل بوعد لا خلف فيه ﴿من هو في ضلال مبين﴾ أي : بين أنحن أم أنتم، وقرأ الكسائي بعد السين بياء الغيبة نظراً إلى قول الكافرين والباقون بتاء الخطاب إما على الوعيد، وإما على الالتفات من الغيبة المرادة في قراءة الكسائي وهو تهديد لهم.
﴿
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٨٠
قل﴾
أي : يا أعظم خلقنا وأعلمهم بنا ﴿أرأيتم﴾ أي : أخبروني إخباراً لا لبس فيه ﴿إن
٣٨٠
أصبح ماؤكم﴾
أي : الذي تعدّونه في أيديكم بما نبهت عليه الإضافة ﴿غوراً﴾ أي : غائراً ذاهباً في الأرض لا تناله الدلاء وكان ماؤهم من بئرين بئر زمزم وبئر ميمونة ﴿فمن يأتيكم﴾ على ضعفكم حينئذ وانخلاع قلوبكم واضطراب أفكاركم ﴿بماء معين﴾، أي : دائم لا ينقطع وظاهر للأعين سهل المأخذ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : بماء معين أي : ظاهر تراه العيون فهو مفعول. وقيل : هو من معن الماء، أي : كثر فهو على هذا فعيل، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً أن المعنى : فمن يأتيكم بماء عذب أي : لا يأتيكم به إلا الله فكيف تنكرون أن يبعثكم ؟
ويستحب أن يقول القارىء عقب معين : الله رب العالمين، كما في الحديث. وتليت هذه الآية عند بعض المتجبرين فقال : تأتي به الفؤوس والمعاول، فذهب ماء عينيه وعمي نعوذ بالله من الجراءة على الله وعلى آياته، وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال :"إن سورة من كتاب الله ما هي إلا ثلاثون آية شفعت لرجل يوم القيامة فأخرجته من النار وأدخلته الجنة وهي سورة تبارك". وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال :"إذا وضع الميت في قبره يؤتى من قبل رجليه فيقال : ليس لكم عليه سبيل لأنه قد كان يقوم بسورة الملك ثم يؤتى من قبل رأسه فيقول لسانه ليس لكم عليه سبيل كان يقرأ بي سورة الملك ثم قال : هي المانعة من عذاب الله، وهي في التوراة سورة الملك من قرأها في ليلة فقد أكثر وأطيب". وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله ﷺ "وددت أن تبارك الملك في قلب كل مؤمن". وأما ما رواه البيضاوي تبعاً للزمخشري من أنه ﷺ قال :"من قرأ سورة الملك فكأنما أحيا ليلة القدر" فحديث موضوع.
٣٨١
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٨٠


الصفحة التالية
Icon