﴿أم لهم شركاء﴾ موافقون لهم في هذا القول يكفلونه لهم فإن كانوا كذلك ﴿فليأتوا بشركائهم﴾ أي : الكافلين لهم به ﴿إن كانوا صادقين﴾ أي : عريقين في هذا الوصف كما يدعونه.
وقوله تعالى :﴿يوم﴾ منصوب بقوله تعالى :﴿فليأتوا﴾ أي : فليأتوا بشركائهم يوم ﴿يكشف﴾ أي : يحصل الكشف فيه، بني للمفعول لأن المخيف وقوع الكشف الذي هو كناية عن تفاقم الأمر وخروجه عن حدّ الطوق لا كونه من معين، مع أنه من المعلوم أنه لا فاعل هناك غيره سبحانه وتعالى ﴿عن ساق﴾ أي : يشتدّ فيه الأمر غاية الاشتداد، لأنّ من اشتدّ عليه الأمر وجد في فصله شمر عن ساقه لأجله وشمرت حرمه عن سوقهنّ غير محتشمات فهو كناية عن هذا، ولذلك نكره تهويلاً له وتعظيماً، نقل هذا التأويل عن ابن عباس وسعيد بن جبير وغيرهما، وعن انكشاف جميع الخلائق وظهور الجلائل فيه والدقائق من الأهوال وغيرها، كما كشفت هذه الآيات جميع الشبه، فتركت السامع لها في مثل ضوء النهار، ويجوز أن يكون منصوباً بإضمار : اذكر فيكون على هذا مفعولاً به وعلى الأول لا يوقف على صادقين.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٩٨
تنبيه : علم مما تقرر أن كشف الساق كناية عن الشدة، قال الراجز :
*عجبت من نفسي ومن إشفاقها ** ومن طرادي الطير عن أرزاقها*
*في سنة قد كشفت عن ساقها ** حمراء تبرى اللحم عن عراقها*
وقال : الطائي :
*أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها ** وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا*
وقال : آخر :
*قد شمرت عن ساقها فشدوا ** وجدّت الحرب بكم فجدّوا*
٣٩٨
وقال أبو عبيدة : إذا اشتد الأمر أو الحرب قيل : كشف الأمر عن ساقه، والأصل فيه : أن من وقع في شيء يحتاج فيه إلى الجد شمر عن ساقه، فاستعير الساق والكشف عنها في موضع الشدة، وقال القرطبي : وأما ما روي أن الله تعالى يكشف عن ساقه، فإنه تعالى متعال عن الأعضاء والأبعاض وأن ينكشف ويتغطى، ومعناه : أن يكشف عن العظيم من أمره. وقيل : يكشف عن نوره عز وجل، وروى أبو موسى عن النبي ﷺ في قوله تعالى :﴿عن ساق﴾ قال :"يكشف عن نور عظيم يخرون له سجداً" وروى أبو بردة عن أبي موسى قال : حدثني أبو موسى قال :"سمعت رسول الله ﷺ يقول : إذا كان يوم القيامة مثل لكل قوم ما كانوا يعبدون في الدنيا فيذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون ويبقى أهل التوحيد فيقال لهم : ما تنتظرون وقد ذهب الناس فيقولون : إن لنا رباً كنا نعبده في الدنيا ولم نره قال : أو تعرفونه إذا رأيتموه ؟
فيقولون : نعم فيقال : فكيف تعرفونه ولم تروه ؟
قالوا : إنه لا شبيه له فيكشف لهم الحجاب فينظرون الله تعالى فيخرون له سجداً، ويبقى أقوام ظهورهم كصياصي البقر فينظرون إلى الله تعالى فيريدون السجود فلا يستطيعون فذلك قوله تعالى :﴿يوم يكشف عن ساق﴾".
﴿ويدعون﴾ أي : من داعي الملك الديان ﴿إلى السجود﴾ توبيخاً على تركه الآن وتنديماً وتعنيفاً لا تعبداً وتكليفاً، فيريدونه ليفدوا أنفسهم مما يرون من المخاوف ﴿فلا﴾ أي : فتسبب عن ذلك أنهم لا ﴿يستطيعون﴾ لأنهم غير سالمين لا أعضاء لهم تنقاد به مع شدة معالجتهم لأنفسهم فيقول الله تعالى أي : للساجدين : عبادي ارفعوا رؤوسكم فقد جعلت بدل كل رجل منكم رجلاً من اليهود والنصارى في النار، قال أبو بردة : فحدثت هذا الحديث عبر بن عمر العزيز، فقال لي : والله الذي لا إله إلا هو لقد حدثك أبوك بهذا الحديث، فحلف له ثلاثة أيمان فقال : ما سمعت في أهل التوحيد حديثاً هو أحب إلي من هذا الحديث، وأما غير الساجدين فعن ابن مسعود تعقم أصلابهم، أي : ترد عظامها بلا مفاصل لا تنثني عند الرفع والخفض، وفي الحديث وتبقى أصلابهم طبقاً واحداً، أي : فقارة واحدة.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٩٨
وقوله تعالى :﴿خاشعة﴾ حال من مرفوع يدعون وقوله تعالى :﴿أبصارهم﴾ فاعل به ونسب الخشوع للأبصار، لأنّ ما في القلب يعرف في العين وذلك أن المؤمنين يرفعون رؤوسهم من السجود ووجوههم أضوأ من الشمس، ووجوه الكافرين والمنافقين سود مظلمة. ﴿ترهقهم﴾ أي : تغشاهم ﴿ذلة﴾ أي : عظمية لأنهم استعملوا الأعضاء التي أعطاهموها الله سبحانه ليتقرّبوا بها إليه في دار العمل في غير طاعته ﴿وقد﴾ أي : والحال أنهم قد ﴿كانوا يدعون إلى السجود﴾ أي : في الدنيا من كل داع يدعو إلينا، وقال إبراهيم التيمي : أي يدعون بالأذان والإقامة فيأبون. وقوله تعالى :﴿وهم سالمون﴾ أي : معافون أصحاء، حال من مرفوع يدعون الثانية. وقال سعيد بن جبير : كانوا يسمعون حيّ على الفلاح فلا يجبيبون، وقال كعب الأحبار : والله ما نزلت هذه الآية إلا في الذين يتخلفون عن الجماعات.
ولما خوف الكفار بعظمة يوم القيامة زاد في التخويف بما عنده وفي قدرته فقال تعالى لنبيه
٣٩٩