﴿فأمّا ثمود فأهلكوا﴾ أي : بأيسر أمر من أوامرنا ﴿بالطاغية﴾ أي : الواقعة التي جاوزت الحدّ في الشدة فرجفت منها القلوب، واختلف فيها فقيل : الرجفة، وعن ابن عباس : الصاعقة، وعن قتادة : بعث الله تعالى عليهم صيحة فأهمدتهم. وقال مجاهد : بالذنوب، وقال الحسن : بالطغيان فهو مصدر كالكاذبة والعاقبة، أي : أهلكوا بطغيانهم وكفرهم قال الزمخشري : وليس بذاك لعدم الطباق بينها وبين قوله تعالى :﴿بريح صرصر﴾ لكن قال ابن عادل : ويوضحه ﴿كذبت ثمود بطغواها﴾ (الشمس : ١١)
أهلكوا بها ولأجلها. قال : والباء سببية على الأقوال كلها إلا على قول قتادة، فإنها فيه للاستعانة كعملت بالقدّوم.
﴿وأمّا عاد فأهلكوا﴾ أي : بأشق ما يكون عليهم وبأيسر ما يكون علينا ﴿بريح صرصر﴾ أي : شديدة الصوت لها صرصرة، وقيل : هي الباردة من الصرّ كأنها التي كرر فيها البرد وكثر، فهي تحرق بشدة بردها. وقال مجاهد : هي الشديدة السموم ﴿عاتية﴾ أي : مجاوزة للحدّ في شدة عصفها، والعتو استعارة، أو عتت على عاد فما قدروا على ردها بحيلة، من استتار ببناء أو لياذ بجبل أو اختفاء في حفرة، فإنها كانت تنزعهم من مكانهم وتهلكم، وقيل : عتت على خزانها فخرجت بلا كيل ولا وزن، وروي أنه ﷺ قال :"ما أرسل الله تعالى سفينة من ريح إلا بمكيال ولا قطرة من مطر إلا بمكيال، إلا يوم عاد ويوم نوح فإن الماء يوم نوح طغى على الخزان فلم يكن لهم عليه سبيل ثم قرأ ﴿إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية﴾ (الحاقة : ١١)
وإن الريح يوم عاد عتت على الخزان فلم يكن لهم عليها سبيل ثم قرأ :﴿بريح صرصر عاتية﴾. ﴿سخرها﴾ أرسلها ﴿عليهم﴾ وقال مقاتل رضي الله عنه : سلطها عليهم ﴿سبع ليال﴾ أي : لا تفتر فيها الريح لحظة ﴿وثمانية أيام﴾ كذلك. قال وهب : هي الأيام التي تسميها العرب العجوز ذات برد وريح شديدة قيل : سميت عجوزاً لأنها في عجز الشتاء، وقيل : سميت بذلك لأنّ عجوزاً من قوم عاد دخلت سرباً فتبعتها
٤٠٥
الريح فقتلتها اليوم الثامن من نزول العذاب وانقطع العذاب ﴿حسوماً﴾ قال مجاهد وقتادة رضي الله عنهما : متتابعة ليس فيها قترة، فعلى هذا هو من حسم الكي، وهو أن يتابع على موضع الداء المكواة حتى يبرأ، ثم قيل لكل شيء يقطع : حاسم وجمعه حسوم مثل شاهد وشهود. وقال الكلبي : حسوماً دائماً، وقال النضر بن شميل : حسمتهم قطعتهم وأهلكتهم، والحسم القطع والمنع ومنه : حسم الداء، وقال عطية : حسوماً شؤماً كأنها حسمت الخير عن أهلها.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٠٤
تنبيه : في إعراب حسوماً أوجه : أحدها : أن ينتصب نعتاً لما قبله. ثانيها : أن ينتصب على الحال، أي : ذات حسوم. ثالثها : أن ينتصب على المصدر بفعل من لفظها، أي : تحسمهم حسوماً.
واختلفوا في أولها فقال السدي : غداة يوم الأحد، وقال الربيع بن أنس رضي الله عنه : غداة يوم الجمعة، وقال يحيى بن سلام ووهب بن منبه رضي الله عنهم : غداة يوم الأربعاء وهو اليوم النحس المستمر قيل : كان آخر أربعاء في السنة وآخرها يوم الأربعاء. وقال البقاعي : وهي من صبيحة الأربعاء لثمان بقين من شوال غروب الأربعاء الآخر وهو آخر الشهر وقد لزم من زيادة عدد الأيام أن الابتداء كان بها قطعاً وإلا لم تكن الليالي سبعاً فتأمل ذلك ا. ه. وهو ظاهر.
ولما كان الحاسم المهلك تسبب عنه قوله تعالى مصوراً لحالهم الماضية :﴿فترى القوم﴾ أي : الذين هم غاية في القدرة على ما يحاولونه ﴿فيها﴾ أي : تلك المدة من الأيام والليالي لم يتأخر أحد منهم عنهم ﴿صرعى﴾ أي : مجندلين على الأرض موتى جمع صريع وهي حال نحو قتيل وقتلى وجريح وجرحى، والضمير فيها للأيام والليالي كما مر أو للبيوت أو للريح قال ابن عادل : والأول أظهر لقربه.
﴿كأنهم أعجاز﴾ أي : أصول ﴿نخل﴾ قد شاخت وهرمت فهي في غاية العجز ﴿خاوية﴾ أي : متأكلة الأجواف ساقطة من خوى النجم إذا سقط للغروب، ومن خوى المنزل إذا خلا من قطّانه. قالوا : كانت تدخل من أفواههم فتخرج ما في أجوافهم من الحشو من أدبارهم، والوصف بذلك لعظم أجسامهم وتقطيع الريح لهم وقطعها لرؤوسهم وخلوهم من الحياة وتسويدها لهم.
﴿فهل ترى﴾ أي : أيها المخاطب الخبير بالناس في جميع الأقطار ﴿لهم﴾ أي : خصوصاً. وأغرق في النفي وعبر بالمصدر الملحق بالهاء مبالغة فقال تعالى :﴿من باقية﴾ فيكون المراد بالباقية البقاء كالطاغية بمعنى الطغيان، أي : من باق، والأحسن أن تكون صفة لفرقة أو لطائفة أو نفس أو بقية أو نحو ذلك. وقيل : فاعلة بمعنى المصدر كالعافية والباقية. قال المفسرون : والمعنى هل ترى لهم أحداً باقياً، قال ابن جريج : كانوا سبع ليال وثمانية أيام أحياء في عذاب الله تعالى من الريح، فلما أمسوا في اليوم الثامن ماتوا فاحتملتهم الريح فألقتهم في البحر، فذلك قوله تعالى :﴿فهل ترى لهم من باقية﴾. وقوله تعالى :﴿فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم﴾ (الأحقاف : ٢٥)