تنبيه : الباء على أصلها غير مزيدة، والمعنى : لأخذناه بقوة منا، فالباء حالية والحال من الفاعل وتكون منه في حكم الزائدة، واليمين هنا مجاز عن القوة والغلبة، فإن قوة كل شيء في ميامنه، وهذا معنى قول ابن عباس ومجاهد رضي الله عنهم، ومنه قول الشماخ :
*إذا ما راية رفعت لمجد ** تلقاها عرابة باليمين*
وقال أبو جعفر الطبري : هذا الكلام خرج مخرج الإذلال على عادة الناس في الأخذ بيد من يعاقب، ويجوز أن تكون الباء مزيدة، والمعنى : لأخذنا منه يمينه، والمراد باليمين الجارحة كما
٤١٧
يفعل بالمقتول صبراً يؤخذ بيمينه ويضرب بالسيف في جيده مواجهة وهو أشد عليه، وقال الحسن رضي الله عنه : لقطعنا يده اليمنى. وقال الزمخشري : المعنى : ولو ادعى علينا شيئاً لم نقله لقتلناه صبراً كما يفعل الملوك بمن يتكذب عليهم معاجلة بالسخط والانتقام، فصور قتل الصبر بصورته ليكون أهول، وهو أن يؤخذ بيده فتضرب رقبته وخص اليمين عن اليسار، لأن القتال إذا أراد أن يوقع الضرب في قفاه أخذه بيساره، وإذا أراد أن يوقعه في جيده وأن يكفحه بالسيف وهو أشد على المصبور لنظره إلى السيف أخذ بيمينه ا. ه. وقال نفطويه : المعنى لقبضنا بيمينه عن التصرف، وقال السّدي ومقاتل رضي الله عنهما : المعنى انتقمنا منه بالحق واليمين على هذا بمعنى الحق كقوله تعالى :﴿إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين﴾ (الصافات : ٢٨)، أي : من قبل الحق.
﴿
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤١٥
ثم لقطعنا﴾ أي : بما لنا من العظمة قطعاً يتلاشى عنده كل قطع ﴿منه الوتين﴾ أي : نياط القلب وهو يتصل من الرأس إذا انقطع مات صاحبه، قال أبو زيد : وجمعه الوتن وثلاثة أوتنة والموتون الذي قطع وتينه. وقال الكلبي : هو عرق بين العلباء والحلقوم وهما علباوان بينهما العرق والعلباء عصب العنق، وقيل : عرق غليظ تصادفه شفرة الناحر، وقال مجاهد رضي الله عنه : هو حبل القلب الذي في الظهر وهو النخاع، فإذا انقطع بطلت القوى ومات صاحبه.
وقال محمد بن كعب رضي الله عنه : إنه القلب ومراقه وما يليه، وقال عكرمة رضي الله عنه : إن الوتين إذا قطع، لا إن جاع عرف ولا إن شبع عرف، وقيل : الوتين من مجمع الوركين إلى مجمع الصدر بين الترقوتين، ثم تنقسم منه سائر العروق إلى سائر الجسد، ولا يمكن في العادة الحياة بعد قطعه. وقال ابن قتيبة : لم يرد أنا نقطعه بعينه بل المراد أنه لو كذب لأمتناه، فكان كمن قطع وتينه. ونظيره قوله ﷺ "ما زالت أكلة خيبر تعاودني فهذا أوان انقطاع أبهري". والأبهر : عرق متصل بالقلب، فإذا انقطع مات صاحبه فكأنه قال : هذا أوان يقتلني السم وحينئذ صرت كمن انقطع أبهره ﴿فما منكم﴾ أي : أيها الناس، وأغرق في النفي فقال :﴿من أحد عنه﴾ أي : القتل ﴿حاجزين﴾ أي : لا يقدر أحد منكم أن يحجزه عن ذلك ويدفعه عنه، أي : الرسول ﷺ أي : لا تقدرون أن تحجزوا عنه القاتل وتحولوا بينه وبينه.
تنبيه :﴿من أحد﴾ اسم ما ومن زائدة لتأكيد النفي، ومنكم حال من أحد وعنه حاجزين خبر ما وجمع لأن أحداً في سياق النفي بمعنى الجمع وضمير عنه للقتل أو النبي كما مرّ ﴿وإنه﴾ أي : القرآن ﴿لتذكرة للمتقين﴾ أي : لأنهم المنتفعون به لإقبالهم عليه إقبال مستفيد ﴿وإنا﴾ أي : بمالنا من العظمة ﴿لنعلم﴾ أي : علماً عظيماً محيطاً ﴿أن منكم﴾ أي : أيها الناس ﴿مكذبين﴾ بالقرآن ومصدقين، فأنزلنا الكتب وأرسلنا الرسل لنظهر منكم إلى عالم الشهادة ما كنا نعلم في الأزل غيباً من تكذيب وتصديق فتستحقون بذلك الثواب والعقاب، فلذلك وجب في الحكمة أن نعيد الخلق إلى ما كانوا عليه من أجسامهم قبل الموت لنحكم بينهم فنجازي كلاً بما يليق به إظهاراً للعدل.
﴿وإنه﴾ أي : القرآن ﴿لحسرة﴾ أي : ندامة ﴿على الكافرين﴾ أي : إذا رأوا ثواب المصدقين وعقاب المكذبين به ﴿وإنه﴾ أي : القرآن أو الجزاء يوم الجزاء ﴿لحق اليقين﴾ أي : الأمر الثابت
٤١٨
الذي لا يقبل الشك فهو يقين مؤكد بالحق من إضافة الصفة إلى الموصوف وهو فوق علم اليقين. وقال ابن عباس رضي الله عنهما : إنما هو كقولك عين اليقين ومحض اليقين.
﴿
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤١٥
فسبح﴾ أي : أوقع التنزيه الكامل عن كل شائبة نقص ﴿باسم﴾ أي : بسبب عملك بصفات ﴿ربك﴾ أي : الموجد والمربي لك والمحسن إليك بأنواع الإحسان ﴿العظيم﴾ أي : الذي ملأت الأقطار كلها عظمته وزادت على ذلك بما شاءه سبحانه مما لا تسعه العقول، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : أي : فصلّ لربك العظيم. وقول البيضاوي تبعاً للزمخشري : إن رسول الله ﷺ قال :"من قرأ سورة الحاقة حاسبه الله حساباً يسيراً" حديث موضوع.
٤١٩
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤١٥