أو ملك آخر من جنسهم عظيم الخلقة : وقال أبو صالح : إنه خلق من خلق الله كهيئة الناس وليس بالناس. وقال قبيصة بن ذؤيب : إنه روح الميت حين يقبض، ﴿إليه﴾ أي : مهبط أمره من السماء. وقيل : هو كقول إبراهيم عليه السلام :﴿إني ذاهب إلى ربي﴾ (الصافات : ٩٩)، أي : إلى الموضع الذي أمرني به، وقيل : إلى عرشه، وعلق بالعروج أو بواقع قوله تعالى :﴿في يوم﴾ أي : من أيامكم، وبين عظمه بقوله تعالى :﴿كان﴾ أي : كوناً هو في غاية الثبات ﴿مقداره﴾ أي : لو كان الصاعد فيه آدمياً ﴿خمسين ألف سنة﴾ أي : من سني الدنيا وذلك أن تصعد من منتهى أمر الله تعالى من أسفل الأرض السابعة، روي عن مجاهد رضي الله عنه أن مقدار هذا خمسين ألف سنة. وقال محمد بن
٤٢١
إسحاق : لو سار بنو آدم من الدنيا إلى موضع العرش ساروا خمسين ألف سنة. وقال عكرمة وقتادة رضي الله عنهما : هو يوم القيامة وأراد أن موقفهم للحساب حتى يفصل بين الناس خمسون ألف سنة من سني الدنيا، ليس يعني به أن مقدار طوله هكذا دون غيره ؛ لأن يوم القيامة ليس له أول وليس له آخر لأنه يوم ممدود، ولو كان له آخر لكان منقطعاً.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٢٠
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : يوم القيامة يكون على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال :"قيل : لرسول الله ﷺ يوم كان مقداره خمسين ألف سنة فما أطول هذا اليوم ؟
فقال رسول الله ﷺ والذي نفسي بيده ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا".
وقيل : معناه لو ولي محاسبة العباد في ذلك اليوم غير الله تعالى لم يفرغ منه في خمسين ألف سنة قال عطاء رضي الله عنه : ويفرغ الله تعالى في مقدار نصف يوم من أيام الدنيا، وقيل : فيه خمسون موطناً على الكافر، كل موطن ألف سنة وما ورد ذلك على المؤمن إلا كما بين الظهر والعصر.
وروي عن الكلبي أنه قال : يقول الله تعالى : لو وليت حساب ذلك الملائكةُ والإنس والجن وطوقتهم محاسبتهم لم يفرغوا منه في خمسين ألف سنة وأنا أفرغ منه في ساعة من النهار. وقال بيان : هو يوم القيامة فيه خمسون موطناً كل موطن ألف سنة، وفيه تقديم وتأخير كأنه قال : ليس له دافع من الله ذي المعارج في يوم مقداره خمسين ألف سنة تعرج الملائكة والروح إليه.
فإن قيل : كيف الجمع بين هذه الآية وبين قوله تعالى في سورة السجدة :﴿في يوم كان مقداره ألف سنة﴾ (السجدة : ٥)
أجيب : بأنه يحتمل أن من أسفل العالم إلى أعلى العرش خمسين ألف سنة، ومن أعلى سماء الدنيا إلى الأرض ألف سنة لأن عرض كل سماء خمسمائة وما بين أسفل إلى قرار الأرض خمسمائة، فقوله في يوم من أيام الدنيا وهو مقدار ألف سنة لو صعدوا فيه إلى سماء الدنيا، ومقدار خمسين ألف سنة لو صعدوا إلى أعلى العرش.
وقوله تعالى :﴿فاصبر صبراً جميلاً﴾ متعلق كما قال الرازي : بسأل سائل، لأن استعجالهم بالعذاب كان على وجه الاستهزاء برسول الله ﷺ فأمر بالصبر، والمعنى : جاء العذاب لقرب وقوعه فاصبر على أذى قومك، والصبر الجميل : هو الذي لا جزع فيه ولا شكوى لغير الله تعالى.
وقيل : أن يكون صاحب المصيبة في القوم لا يدري من هو، وقال ابن زيد والكلبي رضي الله عنهم : هذه الآية منسوخة بالأمر بالقتال.
﴿إنهم﴾ أي : الكفار ﴿يرونه﴾ أي : ذلك اليوم الطويل أو عذابه ﴿بعيداً﴾ أي : زمن وقوعه لأنهم يرونه غير ممكن، أو يفعلون أفعال من يستبعده ﴿ونراه﴾ أي : لما لنا من العظمة التي قضت بوجوده وهو علينا هين ﴿قريباً﴾ سواء أريد بذلك قرب الزمان أو قرب المكان فهو هين على قدرتنا وهو آت لا محالة، وكل آت قريب، والقريب والبعيد عندنا على حدٍ سواء، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي بالإمالة محضة، وورش بين بين، والباقون بالفتح.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٢٠
وقوله تعالى :﴿يوم تكون السماء﴾ متعلق بمحذوف، أي : يقع فيه من الأهوال ﴿كالمهل﴾
٤٢٢
أي : كدردي الزيت، وعن ابن مسعود رضي الله عنه : كالفضة البيضاء في تلونها ﴿وتكون الجبال﴾ أي : التي هي أشد الأرض وأثقل ما فيها ﴿كالعهن﴾ أي : كالصوف في الخفة والطيران بالريح. وقيل : أول ما تتفرق الجبال تصير رملاً ثم عهناً منفوشاً ثم هباء منثوراً منبثاً.
﴿ولا يسأل﴾ أي : من شدة الأهوال ﴿حميم حميماً﴾ أي : قريب في غاية القرب والصداقة قريباً مثله عن شيء من الأشياء لفرط الشواغل ولأنه قد كشفت لهم أنه لا تغني نفس عن نفس شيئاً وأنه قد تقطعت الأسباب وتلاشت الأنساب وعلم أنه لا عز إلا بالتقوى.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٢٠