﴿فرّت من قسورة﴾ قال مجاهد رضي الله عنه : هي جماعة الرماة الذين يتصيدونها لا واحد له من لفظه، وهي رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما وقال سعيد بن جبير رضي الله عنه : هو القناص، وعن زيد بن أسلم : فريق من رجال أقوياء. وكل ضخم شديد عند العرب قسور وقسورة، وعن أبي المتوكل هي لغط القوم وأصواتهم. وروى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال : حبال الصيادين. وقال أبو هريرة رضي الله عنه : هي الأسد، وهو قول عطاء والكلبي، وذلك أن الحمر الوحشية إذا عاينت الأسد هربت، كذلك هؤلاء المشركون إذا سمعوا النبيّ ﷺ يقرأ القرآن هربوا، وعن عكرمة رضي الله عنه ظلمة الليل ويقال لسواد الليل قسورة، وفي تشبيههم بالحمر مذمّة ظاهرة وتهجين لحالهم بين كما في قوله تعالى ﴿كمثل الحمار يحمل أسفاراً﴾ (الجمعة : ٥)
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٨٨
شهادة عليهم بالبله وقلة العقل.
ولما كان الجواب قطعاً لا شيء لهم في إعراضهم هذا أضرب عنه بقوله تعالى :﴿بل يريد﴾ أي : على دعواهم في زعمهم ﴿كل امرئ منهم﴾ أي : المعرضين من ادّعائة الكمال في المروءة ﴿أن يؤتى﴾ أي : من السماء ﴿صحفاً﴾ أي : قراطيس مكتوبة ﴿منشرة﴾ أي : مفتوحة، وذلك أنّ أبا جهل وجماعة من قريش قالوا : يا محمد لن نؤمن بك حتى تأتي كل واحد منا بكتاب من السماء عنوانه : من ربّ العالمين إلى فلان بن فلان ونؤمر فيه باتباعك ونظيره ﴿لن نؤمن لك حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه﴾ (الإسراء : ٩٣)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما كانوا يقولون : إن كان محمد صادقاً ليصبح عند رأس كل واحد منا صحيفة فيها براءته من النار. وقال الكلبي رضي الله عنه : إن المشركين قالوا : يا محمد بلغنا أنّ الرجل من بني إسرائيل كان يصبح مكتوباً عند رأسه ذنبه وكفارته فائتنا بمثل ذلك. وقالوا : إذا كانت ذنوب الإنسان تكتب عليه، فما لنا لا نرى ذلك. قال البغوي : والصحف جمع الصحيفة ومنشرة منشورة.
قال الله تعالى :﴿كلا﴾ أي : لا يؤتون الصحف. وقيل : حقاً قال البغوي : وكل ما ورد عليك منه فهذا وجهه. قال ابن عادل : والأول أجود لأنه ردّ لقولهم. ثم بين تعالى سبب إعراضهم بقوله تعالى :﴿بل لا يخافون﴾ أي : في زمن من الأزمان ﴿الآخرة﴾ فهذا هو السبب في إعراضهم.
وقوله تعالى :﴿كلا﴾استفتاح قاله الجلال المحلي. وقال البيضاوي : ردع عن إعراضهم. وقال البغوي وتبعه ابن عادل : حقاً ﴿إنه﴾ أي : القرآن ﴿تذكرة﴾ أي : عظيمة توجب إيجاباً عظيماً
٤٨٩
اتباعه وعدم الانفكاك عنه بوجه، فليس لأحد أن يقول : أنا مغرور لم أجد مذكراً ولا معرّفاً فإنّ عنده أعظم مذكر وأشرف معرّف.
﴿فمن شاء﴾ أي : أن يذكره ﴿ذكره﴾ أي : اتعظ به وجعله نصب عينيه وعلم معناه وتخلق به فمن فعل ذلك سهل عليه لفظه وبعض معانيه فإنه كالبحر الفرات فمن شاء اغترف.
﴿وما يذكرون﴾ أي : في وقت من الأوقات ﴿إلا أن يشاء الله﴾ أي : الملك الأعظم الذي لا أمر لأحد معه ذكرهم أو مشيئتهم كقوله تعالى :﴿وما تشاؤون إلا أن يشاء الله﴾ (الإنسان : ٣٠)
وهو تصريح بأنّ فعل العبد بمشيئة الله تعالى. وقرأ نافع بتاء الخطاب وهو التفات من الغيبة إلى الخطاب والباقون بياء الغيبة حملاً على ما تقدم من قوله تعالى :﴿كل امرئ﴾.
﴿هو﴾ أي : الله سبحانه وتعالى وحده ﴿أهل التقوى﴾ أي : أن يتقيه عباده ويحذروا غضبه بكل ما تصل قدرهم إليه لما له من الجلال والعظمة والقهر. وقرأ حمزة والكسائي بالإمالة محضة وأبو عمرو بين بين، وقرأ ورش بالفتح وبين اللفظين ﴿وأهل المغفرة﴾ أي : وحقيق أن يطلب غفرانه للذنوب لا سيما إذا اتقاه المذنب ؛ لأنّ له الجمال واللطف وهو القادر ولا قدرة لغيره فلا ينفعه شيء ولا يضرّه روى الترمذي وأحمد والحاكم عن أنس أنّ رسول الله ﷺ قال في هذه الآية :﴿هو أهل التقوى وأهل المغفرة﴾ يقول الله تعالى :"أنا أهل أن أتقى فمن اتقى أن يشرك بي غيري فأنا أهل أن أغفر له" ووقف الكسائي على ﴿أهل المغفرة﴾ بالإمالة على أصله وورش بترقيق الراء وقفاً ووصلاً على أصله.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٨٨
وقول البيضاوي تبعاً للزمخشري إنّ رسول الله ﷺ قال :"من قرأ سورة المدثر أعطاه الله تعالى عشر حسنات بعدد من صدق بمحمد وكذب به" حديث موضوع.
٤٩٠
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٨٨


الصفحة التالية
Icon