﴿زنجبيلاً﴾ أي : غاية اللذة، وكانت العرب تلتذ بالشراب الممزوج به لهضمه وتطييبه الطعم، والزنجبيل : نبت معروف، وسمي الكأس بذلك لوجود طعم الزنجبيل فيها قال الأعشى :
*كأن القرنفل والزنجبي ** ل باتابفيها وأريا مشورا*
وقال المسيب بن علس :
*وكأن طعم الزنجبيل به ** إذ اذقته وسلافة الخمر*
وقوله تعالى :﴿عيناً فيها﴾ أي : الجنة بدل من زنجبيلاً وكون الزنجبيل عيناً فيه خرق للعوائد ؛ لأنّ الزنجبيل عندنا شجر يحتاج في تناوله إلى علاج، فبين أنه هناك عين لا يحتاج في صيرورته زنجبيلاً إلى أن تحيله الأرض بتخميره فيها حتى يصير شجراً ليتحوّل عن طعم الماء إلى طعم الزنجبيل ﴿تسمى﴾ أي : تلك العين لسهولة إساغتها ولذة طعمها وسموّ وصفها ﴿سلسبيلاً﴾ والمعنى : أن ماء تلك العين كالزنجبيل الذي تلتذ به العرب سهل المساغ في الحلق، فليس هو كزنجبيل الدنيا يلذع في الحلق فتصعب إساغته. والسلسبيل والسلسل والسلسال ما كان من الشراب غاية في السلاسة زيدت فيه الباء زيادة في المبالغة في هذا المعنى، وقال مقاتل وابن حبان رضي الله عنهما : سميت سلسبيلاً لأنها تسيل عليهم في الطرق وفي منازلهم تنبع من أصل العرش من جنة عدن إلى أهل الجنان. قال البغوي : وشراب الجنة في برد الكافور وطعم الزنجبيل وريح المسك من غير لذع. وقال مقاتل رضي الله عنه : يشربها المقربون صرفاً وتمزج لسائر أهل الجنة.
ولما ذكر تعالى المطوف به لأنه الغاية المقصودة وصف الطائف لما في طوافه من العظمة المشهودة بقوله تعالى.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥١١
﴿ويطوف عليهم﴾ أي : بالشراب وغيره من الملاذ والمحاب ﴿ولدان﴾ أي : غلمان هم في
٥١٣
سن من هو دون البلوغ ؛ لأنّ الفقهاء قالوا :
الناس غلمان وصبيان وأطفال وذراري إلى البلوغ ثم هم بعد البلوغ شبان وفتيان إلى الثلاثين، ثم هم بعدها كهول إلى الأربعين ثم بعدها شيوخ واستنبط بعضهم ذلك من القرآن في حق بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قال الله تعالى في حق يحيى :﴿وآتيناه الحكم صبياً﴾ (مريم : ١٢)
وفي حق عيسى :﴿يكلم الناس في المهد وكهلاً﴾ (آل عمران : ٤٦)
وعن إبراهيم :﴿قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم﴾ (الأنبياء : ٦٠)
وعن يعقوب :﴿إنّ له اباً شيخاً كبيراً﴾ (يوسف : ٧٨)
. وقالوا : وأقل أهل الجنة من يخدمه ألف غلام، ويعطى في الجنة قدر الدنيا عشر مرّات. وقرأ حمزة بضم الهاء والباقون بكسرها.
ثم وصف تعالى تلك الغلمان بقوله تعالى :﴿مخلدون﴾ أي : قد حكم من لا يرد حكمه بأن يكونوا كذلك دائماً من غير علة ولا ارتفاع عن ذلك الحدّ مع أنهم مزينون بالحلي وهو الحلق والأساور والقرط والملابس الحسنة.
﴿إذا رأيتهم﴾ أي : يا أعلى الخلق وأنت أثبت الناس نظراً أو أيها الرائي الشامل لكل راء في أي حالة رأيتهم فيها ﴿حسبتهم﴾ أي : من بياضهم وصفاء ألوانهم وانتشارهم في الخدمة ﴿لؤلؤاً منثوراً﴾ أي : من سلكه أو من صدفه وهو أحسن منه في غير ذلك، قال بعض المفسرين : هم غلمان ينشئهم الله تعالى لخدمة المؤمنين. وقال بعضهم : أطفال المؤمنين لأنهم ماتوا على الفطرة. وقال ابن برجان : وأرى والله أعلم أنهم من علم الله تعالى إيمانه من أولاد الكفار، وتكون خدماً لأهل الجنة كما كانوا لنا في الدنيا سبياً وخداماً. وأما أولاد المؤمنين فيلحقون بآبائهم سناً وملكاً سروراً لهم. ويؤيد هذا قوله ﷺ في ابنه إبراهيم عليه السلام :"إن له لظئراً تتم رضاعه في الجنة" فإنه يدل على انتقال شأنه فيما هنالك وكتنقله في الأحوال في الدنيا، ولا دليل على خصوصيته بذلك. وقرأ السوسي وشعبة بإبدال الهمزة الأولى الساكنة وقفاً ووصلاً، وإذا وقف حمزة أبدل الأولى والثانية.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥١٣
ولما ذكر المخدوم والخدم ذكر المكان بقوله تعالى :﴿وإذا رأيت﴾ أي : وجدت منك الرؤية ﴿ثم﴾ أي : هناك في أي مكان كان في الجنة، وأي شيء كان فيها. وقوله تعالى ﴿رأيت﴾ جواب إذا أي : رأيت ﴿نعيماً﴾ أي : ليس فيه كدر بوجه من الوجوه ولا يقدر على وصفه واصف. ﴿وملكاً كبيراً﴾ أي : لم يخطر على باله مما هو فيه من السعة وكثرة الموجود والعظمة.
قال سفيان الثوري : بلغنا أن المُلْك الكبير تسليم الملائكة عليهم. وقيل : كون التيجان على رؤوسهم كما تكون على رؤوس الملوك، وقال الحكيم الترمذي : هو ملك التكوين إذا أرادوا شيئاً، قالوا له : كن فيكون. وفي الخبر : إنّ الملك الكبير هو أنّ أدناهم منزلة أي : وما فيهم دنيء الذي في ملكه مسيرة ألف عام ويرى أقصاه كما يرى أدناه وإن أعظمهم منزلة من ينظر إلى وجه ربه سبحانه وتعالى كل يوم. أي : قدر يوم من أيام الدنيا مرّتين.


الصفحة التالية
Icon