وقال الحسن : هو الذنب على الذنب حتى تحيط الذنوب بالقلب ويغشى فيموت القلب.
قال ﷺ "إياكم والمحقرات من الذنوب فإنّ الذنب على الذنب يوقد على صاحبه جحيماً ضخمة". وعن الحسن : الذنب بعد الذنب يسود القلب. يقال : ران عليه الذنب وغان عليه ربنا وغينا والغين الغيم، ويقال : ران فيه النوم : رسخ فيه، ورانت به الخمرة ذهبت به. وقرأ حمزة وشعبة والكسائي بالإمالة : محضة، والباقون بالفتح وسكت حفص على اللام وقفة لطيفة من غير قطع والباقون بغير سكت.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥٧٠
وقوله تعالى :﴿كلا﴾ ردع عن الكسب الرائن على قلوبهم، وقيل : بمعنى حقاً كما مرّ ﴿إنهم عن ربهم﴾ أي : المحسن إليهم ﴿يومئذ لمحجوبون﴾ أي : فلا يرونه بخلاف المؤمنين فإنهم يرونه كما ثبت لك في الأحاديث الصحيحة. وقال الحسن : لو علم الزاهدون والعابدون أنهم لا يرون ربهم في المعاد لزهقت أنفسهم في الدنيا. وسئل مالك عن هذه الآية فقال : لما حجب أعداءه فلم يروه تجلى لأوليائه حتى رأوه.
وفي قوله تعالى :﴿كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون﴾ دلالة على أنّ أولياء الله يرون الله تعالى، ومن نفى الرؤية كالزمخشري جعله تمثيلاً للاستخفاف بهم وإهانتهم ؛ لأنه لا يؤذن على الملوك إلا للوجهاء والمكرمين لديهم، ولا يحجب عنهم إلا الأذناب المهانون عندهم. وعن ابن عباس وقتادة : محجوبون عن رحمته. وعن ابن كيسان : عن كرامته.
﴿ثم إنهم﴾ أي : بعد ما شاء الله تعالى من إمهالهم ﴿لصالوا الجحيم﴾ أي : لداخلوا النار المحرقة.
﴿ثم يقال﴾ أي : تقول لهم الخزنة ﴿هذا﴾ أي : العذاب ﴿الذي كنتم به تكذبون﴾ أي : في دار الدنيا.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥٧٠
٥٧٢
وقوله تعالى :﴿كلا﴾ ردع عن التكذيب، وقيل : معناها حقاً كما مرّ. وقال البيضاوي : تكرير للأوّل ليعقب بوعد الأبرار كما عقب بوعيد الفجار إشعار بأنّ التطفيف فجور والإيفاء برّ، وردع عن التكذيب ﴿إنّ كتاب الأبرار﴾ أي : كتب أعمال المؤمنين الصادقين في إيمانهم ﴿لفي عليين﴾ وعليون علم لديوان الخير الذي دوّن فيه كل ما عملته صلحاء الثقلين، منقول من جمع فعيل من العلو كسجين من السجن، سمي بذلك إمّا لأنه سبب الارتفاع إلى أعالي الدرجات في الجنة، وإمّا لأنه مرفوع في السماء السابعة حيث يسكن الكروبيون تكريماً له وتعظيماً. وروي "أنّ الملائكة لتصعد بعمل العبد فيستقبلونه فإذا انتهوا به إلى ما شاء الله من سلطانه أوحى إليهم إنكم الحفظة على عبدي وأنا الرقيب على ما في قلبه، وإنه أخلص عمله فاجعلوه في عليين، وقد غفرت له وإنها لتصعد بعمل العبد فيزكونه فإذا انتهوا به إلى ما شاء الله أوحى إليهم أنتم الحفظة على عبدي وأنا الرقيب على قلبه، وإنه لم يخلص لي عمله فاجعلوه في سجين". وعن البراء مرفوعاً :"عليين في السماء السابعة تحت العرش". وقال ابن عباس : هو لوح من زبرجدة خضراء معلق تحت العرش، أعمالهم مكتوبة فيها. وقال كعب وقتادة : هو قائمة العرش اليمنى. وقال عطاء عن ابن عباس : هو الجنة. وقال الضحاك : سدرة المنتهى. وقال بعض أهل المعاني علو بعد علو وشرف بعد شرف، ولذلك جمعت بالياء والنون. قال الفراء : هو اسم موضع على صيغة الجمع لا واحد له من لفظه مثل عشرين وثلاثين.
﴿وما أدراك﴾ أي : جعلك دارياً وإن بالغت في الفحص ﴿ما عليون﴾ أي : ما كتاب عليين هو ﴿كتاب﴾ أي : عظيم ﴿مرقوم﴾ أي : فيه أنّ فلاناً أمن من النار رقماً، يا له من رقم ما أبهاه وأجمله.
﴿يشهده المقرّبون﴾ يحضرونه فيشهدون على ما فيه يوم القيامة، أو يحفظونه.
ولما عظم كتابهم عظم منزلتهم بقوله تعالى :
﴿
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥٧٢
إنّ الأبرار لفي نعيم﴾
أي : في الجنة ثم بين ذلك النعيم بأمور ثلاثة : أوّلها : قوله تعالى :
﴿على الأرائك﴾ أي : الأسرة في الحجال، ولا يسمى أريكة إلا إذا كان كذلك، والحجال بكسر الحاء جمع حجلة، وهي بيت يزين بالثياب والستور والأسرة، قاله الجوهري. ﴿ينظرون﴾ أي : إلى ما شاؤوا مدّ أعينهم إليه من مناظر الجنة، وإلى ما أولاهم الله تعالى من النعمة والكرامة، وإلى أعدائهم يعذبون في النار، وما تحجب الحجال أبصارهم عن الإدراك. وقال الرازي : ينظرون إلى ربهم بدليل قوله تعالى :
﴿تعرف﴾ أي : أيها الناظر إليهم ﴿في وجوههم﴾ عند رؤيتهم ﴿نضرة النعيم﴾ أي : بهجته وحسنه ورونقه كما ترى في وجوه الأغنياء وأهل الترفه، أو الخطاب إمّا للنبيّ ﷺ أو لكل ناظر، وقال الحسن : النضرة في الوجه والسرور في القلب وهذا هو الأمر الثاني. وأمّا الثالث فهو قوله تعالى :
﴿يسقون من رحيق﴾ أي : خمر صافية طيبة وقال مقاتل : الخمر البيضاء. وقال الرازي : لعله الخمر الموصوف بقوله تعالى :﴿لا فيها غول﴾ (الصافات : ٤٧)
٥٧٣


الصفحة التالية
Icon