سورة البروج
مكية
وهي اثنتان وعشرون آية ومائة وتسع كلماتوأربعمائة وثمانية وخمسون حرفاً
﴿بسم الله﴾ الذي أحاط علمه بالكائنات ﴿الرحمن﴾ الذي عمّ جوده سائر المخلوقات ﴿الرحيم﴾ الذي خص أهل السعادة بالجنات.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥٨١
وقوله تعالى :﴿والسماء﴾ أي : العالية غاية العلوّ، المحكمة غاية الإحكام ﴿ذات البروج﴾ قسم أقسم الله تعالى به، وتقدّم الكلام على ذلك مراراً، وفي البروج أقوال : فقال مجاهد : هي البروج الاثنا عشر، شبهت بالقصور ؛ لأنها تنزلها السيارات. وقال الحسن : هي النجوم، وقيل : هي منازل القمر. وقال عكرمة : هي قصور في السماء. وقيل : عظام الكواكب سميت بروجاً لظهورها. وقيل : أبواب السماء. وقوله تعالى :
﴿واليوم الموعود﴾ قسم آخر وهو يوم القيامة. قال ابن عباس : وعد أهل السماء وأهل الأرض أن يجتمعوا فيه.
واختلفوا في قوله سبحانه وتعالى :
﴿وشاهد ومشهود﴾ فقال أبو هريرة وابن عباس : الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة. وروى مرفوعاً :"اليوم الموعود يوم القيامة واليوم المشهود يوم عرفة. والشاهد يوم الجمعة" خرّجه الترمذي في جامعه. قال القشيري : فيوم الجمعة يشهد على عامله بما عمل فيه. قال القرطبي : وكذا سائر الأيام والليالي لما روى أبو نعيم الحافظ عن معاوية أنّ النبيّ ﷺ قال :"ليس من يوم يأتي على العبد إلا ينادى فيه يا ابن آدم أنا خلق جديد، وأنا فيما تعمل عليك شاهد، فاعمل فيّ خيراً أشهد لك به غداً فإني إذا مضيت لم ترني أبداً، ويقول الليل
٥٨٢
مثل ذلك" حديث غريب. وحكى القشيري عن عمر أنّ الشاهد يوم الأضحى. وقال ابن المسيب : الشاهد يوم التروية، والمشهود يوم عرفة. وروي عن علي : الشاهد يوم عرفة والمشهود يوم النحر. وقال مقاتل : أعضاء الإنسان هي الشاهد لقوله تعالى :﴿يوم تشهد عليهم ألسنتهم﴾ (النور : ٢٤)
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥٨٢
الآية. وقال الحسين بن الفضل : الشاهد هذه الأمة والمشهود سائر الأمم لقوله تعالى :﴿وكذلك جعلناكم أمّة وسطاً﴾ (البقرة : ١٤٣)
الآية. وقيل : الشاهد محمد ﷺ لقوله تعالى :﴿إنا أرسلناك شاهداً﴾ (الأحزاب : ٤٥)
وقيل : آدم. وقيل : الحفظة الشاهد والمشهود أولاد آدم، وقيل : غير ذلك وكل ذلك صحيح.
واختلف في جواب القسم فقال الجلال المحلي : جواب القسم محذوف صدره أي : لقد ﴿قتل﴾ أي : لعن ﴿أصحاب الأخدود﴾ وقال الزمخشري : محذوف ويدل عليه قوله :﴿قتل أصحاب الأخدود﴾ وكأنه قيل : أقسم بهذه الأشياء أنهم ملعونون يعني : كفار قريش كما لعن أصحاب الأخدود، فإنّ السورة وردت لتثبيت المؤمنين على أذاهم وتذكيرهم بما جرى على من قبلهم. واستظهر هذا البيضاوي. والأخدود : هو الشق المستطيل في الأرض كالنهر، وجمعه أخاديد، واختلف فيهم فعن صهيب أنّ رسول الله ﷺ قال :"كان ملك فيمن كان قبلكم وكان له ساحر فلما كبر قال للملك : إني قد كبرت فابعث إليّ غلاماً أعلمه السحر، فبعث إليه غلاماً، وكان في طريقه إذا سلك إليه راهب فقعد إليه، وسمع كلامه فأعجبه فكان إذا أتى الساحر مرّ بالراهب فقعد إليه، فإذا أتى الساحر ضربه وإذا رجع قعد إلى الراهب وسمع كلامه، فإذا أتى أهله ضربوه فشكا إلى الراهب فقال : إذا خشيت الساحر فقل : حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك فقل : حبسني الساحر، . فبينما هو كذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس فقال : اليوم أعلم الراهب أفضل أم الساحر فأخذ حجراً ثم قال : اللهمّ إن كان أمر الراهب أحبّ إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى تمضي الناس فرماها فقتلها فمضى الناس فأتى الراهب فأخبره، فقال له الراهب : أي : بني أنت اليوم أفضل مني قد بلغ من أمرك ما أرى، وإنك ستبلى فإن ابتليت فلا تدل عليّ فكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص ويداوي الناس من سائر الأدواء، فسمع جليس الملك وكان قد عمي فأتاه بهدايا كثيرة فقال : هذا لك أجمع إن أنت شفيتني، فقال : إني لا أشفي أحداً إنما يشفي الله فإن آمنت به دعوت الله تعالى فشفاك فآمن بالله فشفاه الله تعالى، فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس فقال له الملك : من ردّ عليك بصرك ؟
قال : ربي.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥٨٢
قال : ربك رب غيري ؟
قال : ربي وربك الله فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام، فجيء بالغلام فقال له الملك : أي : بنيّ قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل، قال : إني لا أشفي أحداً إنما يشفي الله فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب، فجيء بالراهب فقال : ارجع عن دينك فأبى فدعا بالمنشار فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه حتى وقع شقاه، ثم جيء بجليس الملك فقيل : له : ارجع عن دينك فأبى ففعل به كالراهب، ثم جيء بالغلام فقيل له : ارجع عن دينك فأبى، فدفعه إلى نفر من أصحابه وقال : اذهبوا إلى جبل كذا فاصعدوا به، فإذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه فذهبوا به
٥٨٣