﴿يخرج من بين الصلب﴾ أي : للرجل وهو عظام الظهر ﴿والترائب﴾ أي : للمرأة جمع تريبة وهي عظام الصدر حيث تكون القلادة، وعن عكرمة : الترائب ما بين ثدييها، وقيل : الترائب التراقي، وقيل : أضلاع الرجل التي أسفل الصدر. وحكى الزجاج : أن الترائب أربعة أضلاع من يمنة الصدر وأربعة أضلاع من يسرة الصدر. وقال ابن عادل جاء في الحديث :"أنّ الولد يخلق من ماء الرجل يخرج من صلبه العظم والعصب، ومن ماء المرأة يخرج من ترائبها اللحم والدم. وحكى القرطبي : إنّ ماء الرجل ينزل من الدماغ ثم يجتمع في الانثيين، وهذا لا يعارضه قوله تعالى :﴿من بين الصلب والترائب﴾ لأنه ينزل من الدماغ ثم يجتمع في الانثين قال المهدودي : ومن جعل يخرج من بين صلب الرجل وترائب المرأة لضمير للإنسان.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥٩٠
والضمير في قوله تعالى :
﴿إنه﴾ للخالق المدلول عليه بخلق لأنه معلوم أن لا خالق سواه سبحانه وتعالى وفي الضمير في قوله تعالى :﴿على رجعه﴾ وجهان أحدهما : أنه ضمير الإنسان
٥٩١
أي : بعثه بعد موته ﴿لقادر﴾ وهذا قول ابن عباس رضي الله عنهما، والثاني : أنه ضمير الماء، أي : رجع المنيّ في الإحليل أو الصلب وهذا قول مجاهد. وعن الضحاك أنّ المعنى : إنه على ردَّ الإنسان في الكبر إلى الشباب ومن الشباب إلى الكبر. وقال ابن زيد : إنه على حبس ذلك الماء حتى لا يخرج ؛ لقادر. وقال الماوردي : يحتمل أنه قادر على أن يعيده إلى الدنيا بعد بعثه إلى الآخرة ؛ لأنّ الكفار يسئلون فيها الرجعة.
وقوله تعالى :﴿يوم﴾ منصوب برجعه ومن يجعل الضمير في رجعه للماء وفسره برجعه إلى مخرجه من الصلب والترائب، أو الإحليل وحاله الأولى نصب الظرف بمضمر، أي : واذكر يوم. ﴿تبلى﴾ تختبر وتكشف، ﴿السرائر﴾ أي : ما أسرّ في القلوب من العقائد والنيات وغيرهما وما أخفى الأعمال وذلك يوم القيامة وبلاؤها تعرفها وتصفحها والتمييز بين ما طاب منها وما خبث. وعن الحسن أنه سمع رجلاً ينشد :
*سيبقى لها في مضمر القلب والحشا
** سريرة ودّ يوم تبلى السرائر*
فقال : ما أغفله عما في والسماء والطارق. وقال عطاء بن رباح : إن السرائر فرائض الأعمال كالصوم والصلاة والوضوء والغسل من الجنابة، فإنها سرائر بين الله تعالى وبين العبد، ولو شاء العبد لقال : صمت ولم يصم، وصليت، ولم يصل واغتسلت ولم يغتسل فيختبر حتى يظهر من أداها ممن ضيعها. وقال ابن عمر : يبدي الله تعال كل سرّ فيكون زيناً في وجوه، وشيناً في وجوه. يعني : فمن أدّاها كان وجهه مشرقاً، ومن لم يؤدها كان وجهه أغبر.
﴿فما له﴾ أي : لهذا الإنسان المنكر للبعث الذي أخرجت سرائره. وأعرق في النفي والتعميم فقال تعالى :﴿من قوة﴾ أي : منعة في نفسه يمتنع بها ﴿ولا ناصر﴾ أي : ينصره من عذاب الله تعالى فيدفعه عنه. ثم ذكر تعالى قسماً آخر فقال تعالى :
﴿والسماء﴾ أي : التي تقدّم الإقسام بها، وَصَفَها بما يؤكد العلم بالبعث فقال تعالى :﴿ذات الرجع﴾ أي : التي ترجع بالدوران إلى الموضع الذي تتحرك عنه فترجع الأحوال التي كانت، وتصرّمت من الليل والنهار والشمس والقمر والكواكب، والفصول من الشتاء وما فيه من برد ومطر، والصيف وما فيه من حرّ وصفاء وسكون، وغير ذلك. وقيل : ذات النفع. وقيل : ذات الملائكة لرجوعهم فيهم بأعمال العبادة. وقيل : ذات المطر لعوده كل حين، أو لما قيل : من أن السحاب تحمل الماء من البحار، ثم ترجعه إلى الأرض، وعلى هذا يجوز أن يراد بالسماء السحاب.
﴿
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥٩٠
والأرض﴾
أي : مسكنكم الذي أنتم ملابسوه ومعاينوه كل وقت. ﴿ذات الصدع﴾ أي : تنصدع عن النبات والشجر والثمار والأنهار والعيون، نظيره : قوله تعالى :﴿ثم شققنا شقاً﴾ (عبس : ٢٦)
الآية والصدع بمعنى الشق لأنه يصدع الأرض فتنصدع، به فكأنما قال تعالى : والأرض ذات النبات. وقال مجاهد : ذات الطرق التي تصدعها المشاة، وقيل : ذات الحرث لأنه يصدعها،
٥٩٢
وقيل : ذات الأموات لإصداعهم عنها للنشور. قال الرازي : واعلم أنه تعالى كما جعل كيفية خلقة الحيوان دليلاً على معرفة المبدأ والمعاد، ذكر في هذا القسم كيفية خلقة النبات فقوله تعالى :﴿والسماء ذات الرجع﴾ كالأب، وقوله تعالى :﴿والأرض ذات الصدع﴾ كالأمّ وكلاهما من النعم العظام، لأنّ نعم الدنيا موقوفةٌ على ما ينزل من السماء مكرّراً، وعلى ما ينبت من الأرض كذلك.
ثم أردف هذا القسم بالمقسم عليه وهو قوله تعالى :
﴿إنه لقول فصل﴾ وفي هذا الضمير قولان أحدهما : ما قاله القفال : وهو أن المعنى : أنّ ما أخبرتكم به من قدرتي على إحيائكم يوم تبلى السرائر قول فصل وحق. والثاني : أنه عائد على القرآن، أي : القرآن فاصل بين الحق والباطل كما قيل له : فرقان. قال الرازي : والأوّل أولى ؛ لأنّ عود الضمير إلى المذكور السالف أولى انتهى. وأكثر المفسرين على الثاني.


الصفحة التالية
Icon