سورة والليل
مكية
وهي إحدى وعشرون آية وإحدى وسبعون كلمة وثلاثمائة وعشرة أحرف
﴿بسم الله﴾ الملك الحق المبين ﴿الرحمن﴾ الذي عمّ رزقه العالمين ﴿الرحيم﴾ الذي خص بجنته المؤمنين.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٢٦
وقوله تعالى :﴿والليل﴾، أي : الذي هو آلة الظلام ﴿إذا يغشى﴾ قسم. وقد مرّ الكلام على ذلك، ولم يذكر تعالى مفعولاً للعلم به، فقيل : يغشى بظلمته كل ما بين السماء والأرض، وقيل : يغشى النهار، وقيل : الأرض، وقيل : الخلائق. قال قتادة : أوّل ما خلق الله تعالى النور والظلمة ثم ميز بينهما فجعل الظلمة ليلاً أسود مظلماً، والنور نهاراً مضيئاً مبصراً.
وقوله تعالى :﴿والنهار﴾، أي : الذي هو سبب انكشاف الأمور ﴿إذا تجلى﴾، أي : تكشف وظهر قسم آخر. قال الرازي : أقسم بالليل الذي يأوي فيه كل حيوان إلى مأواه وتسكن الخلق عن الاضطراب، ويغشاهم النوم الذي جعله الله تعالى راحة لأبدانهم وغذاء لأرواحهم، ثم أقسم بالنهار إذا تجلى ؛ لأن النهار إذا جاء انكشف بضوئه ما كان في الدنيا من الظلمة، وجاء الوقت الذي تتحرّك فيه الناس لمعايشهم وتتحرك الطير من أوكارها والهوامّ من مكانها، فلو كان الدهر كله ليلاً لتعذّر المعاش، ولو كان كله نهاراً لبطلت الراحة، لكن المصلحة في تعاقبهما كما قال تعالى :﴿وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة﴾ (الفرقان : ٦٢)
وقال تعالى :﴿وسخر لكم الليل والنهار﴾ (إبراهيم : ٣٣)
﴿وما﴾ بمعنى من أي، ومن ﴿خلق الذكر والأنثى﴾، أي : فيكون قد أقسم بنفسه، أو مصدرية، أي : وخلق الله الذكر والأنثى وجاز إضمار اسم الله تعالى لأنه معلوم لانفراده بالخلق ؛ إذ لا خالق سواه والذكر والأنثى آدم وحوّاء عليهما السلام، أو كل ذكر وأنثى من سائر الحيوانات. والخنثى وإن أشكل أمره عندنا فهو عند الله تعالى غير مشكل معلوم بالذكورة أو الأنوثة، فلو حلف بالطلاق أنه لم يلق ذكراً ولا أنثى وقد لقي خنثى مشكلاً كان حانثاً، لأنه في الحقيقة ذكر أو أنثى
٦٢٧
وإن كان مشكلاً عندنا. وقيل : كل ذكر وأنثى من الآدميين فقط لاختصاصهم بولاية الله تعالى وطاعته.
وقوله تعالى :﴿إنّ سعيكم﴾، أي : عملكم ﴿لشتى﴾ جواب القسم، والمعنى : أنّ أعمالكم لتختلف، فعامل للجنة بالطاعة وعامل للنار بالمعصية، ويجوز أن يكون محذوفاً كما قيل في نظائره المتقدّمة، وشتى : واحده شتيت مثل : مريض ومرضى، وإنما قيل : للمختلف شتى : لتباعد ما بين بعضه وبعضه، أي : إنّ عملكم المتباعد بعضه من بعض لشتى ؛ لأنّ بعضه ضلال وبعضه هدى، أي : فيكم مؤمن وبر وكافر وفاجر، ومطيع وعاص. وقيل : لشتى، أي : لمختلف الجزاء، فمنكم مثاب بالجنة ومعاقب بالنار. وقيل : لمختلف الأخلاق فمنكم راحمٌ وقاسٍ وحليمٌ وطائشٌ وجوادٌ وبخيل قال بعض المفسرين : نزلت هذه الآية في أبي بكر وأبي سفيان بن حرب. وروى أبو مالك الأشعري "أنّ رسول الله ﷺ قال : كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها"، أي : مهلكها.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٢٧
وقوله تعالى :﴿فأمّا من أعطى﴾، أي : وقع منه إعطاء على ما حدّدناه له وأمرناه به ﴿واتقى﴾، أي : ووقعت منه التقوى، وهي إيجاد الوقايات من الطاعات واجتناب المعاصي خوفاً من سطواتنا.
﴿وصدّق بالحسنى﴾ تفصيل مبين لتشتيت المساعي. واختلف في الحسنى فقال ابن عباس : ، أي : بلا إله إلا الله. وقال مجاهد : بالجنة لقوله تعالى :﴿للذين أحسنوا الحسنى﴾ (يونس : ٢٦)
. وقال زيد بن أسلم : الصلاة والزكاة والصوم.
﴿فسنيسره﴾، أي : نهيئه بما لنا من العظمة بوعدٍ لا خلف فيه ﴿لليسرى﴾، أي : لأسباب الخير والصلاح حتى يسهل فعلها. وقال زيد بن أسلم : لليسرى، أي : للجنة. قال رسول الله ﷺ "ما من نفس منفوسة إلا كتب الله تعالى مدخلها، فقال القوم : يا رسول الله، أفلا نتكل على كتابنا ؟
فقال ﷺ بل اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أمّا من كان من أهل السعادة فإنه ميسر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاوة فإنه ميسر لعمل أهل الشقاوة. ثم قرأ ﴿فأمّا من أعطى وأتقى وصدّق بالحسنى فسنيسره لليسرى﴾".
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٢٧
وقوله تعالى :﴿فأمّا من أعطى﴾، أي : وقع منه إعطاء على ما حدّدناه له وأمرناه به ﴿واتقى﴾، أي : ووقعت منه التقوى، وهي إيجاد الوقايات من الطاعات واجتناب المعاصي خوفاً من سطواتنا.
﴿وصدّق بالحسنى﴾ تفصيل مبين لتشتيت المساعي. واختلف في الحسنى فقال ابن عباس : ، أي : بلا إله إلا الله. وقال مجاهد : بالجنة لقوله تعالى :﴿للذين أحسنوا الحسنى﴾ (يونس : ٢٦)
. وقال زيد بن أسلم : الصلاة والزكاة والصوم.
﴿فسنيسره﴾، أي : نهيئه بما لنا من العظمة بوعدٍ لا خلف فيه ﴿لليسرى﴾، أي : لأسباب الخير والصلاح حتى يسهل فعلها. وقال زيد بن أسلم : لليسرى، أي : للجنة. قال رسول الله ﷺ "ما من نفس منفوسة إلا كتب الله تعالى مدخلها، فقال القوم : يا رسول الله، أفلا نتكل على كتابنا ؟
فقال ﷺ بل اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أمّا من كان من أهل السعادة فإنه ميسر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاوة فإنه ميسر لعمل أهل الشقاوة. ثم قرأ ﴿فأمّا من أعطى وأتقى وصدّق بالحسنى فسنيسره لليسرى﴾".
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٢٧
﴿وأمّا من بخل﴾، أي : أوجد هذه الحقيقة الخبيثة فمنع ما أمر به وندب إليه. ﴿واستغنى﴾، أي : طلب الغنى عن الناس وعما وعد به من الثواب، أو وجده بما زعمت له نفسه الخائنة وظنونه الكاذبة فلم يحسن إلى الناس ولا عمل للعقبى.
﴿وكذب﴾، أي : أوقع التكذيب لمن يستحق التصديق ﴿بالحسنى﴾، أي : فأنكرها وكان عامداً مع المحسوسات كالبهائم.
﴿فسنيسره﴾، أي : نهيئه ﴿للعسرى﴾، أي : للخلة المؤدية إلى العسرة والشدة كدخول النار.
٦٢٨
وعن ابن عباس قال : نزلت في أمية بن خلف، وعنه فسنيسره للعسرى، أي : سأحول بينه وبين الإيمان بالله ورسوله وعنه أيضاً.
﴿وأمّا من بخل﴾، أي : بماله واستغنى عن ربه ﴿وكذب بالحسنى﴾، أي : بالخلف الذي وعده الله تعالى في قوله سبحانه :﴿وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه﴾ (سبأ : ٣٩)
وقال مجاهد :﴿وكذب بالحسنى﴾، أي : بالجنة، وعنه بلا إله إلا الله ويجوز في مافي قوله تعالى :