قال الزمخشري : إلا ما أحدثه الناس في زماننا من التوسع حتى لقبوا السفلة بالألقاب العلية وهب أنّ العذر مبسوط فما أقول لمن ليس من الدين في قبيل ولا دبير بفلان الدين لعمري والله إنها الغصة التي لا تساغ. ومعنى اللقب : اسم زائد على الاسم يشعر بضعة المسمى أو رفعته والمقصود به الشهرة فما كان مكروهاً نهى عنه، ويسنّ أن يكنى أهل الفضل الرجال والنساء وإن لم يكن لهم ولد وأمّا التكني بأبي القاسم فهو حرام.
وقيل : إنما يحرم في زمانه ﷺ فقط وقيل : إنما يحرم على من اسمه محمد ولا يكنى كافر ولا فاسق ولا مبتدع لأنّ الكنية للتكرمة وليسوا من أهلها بل أمرنا بالإغلاظ عليهم إلا لخوف فتنة من ذكره باسمه أو تعريفه كما قيل به في قوله تعالى :﴿تبت يد أبي لهب﴾ (المسد : ١)
واسمه عبد العزى ولا بأس بكنية الصغير. ويسنّ أن يكنى من له أولاد بأكبر أولاده ويسنّ لولد الشخص وتلميذه وغلامه أن لا يسميه باسمه والأدب أن لا يكني الشخص نفسه في كتاب أو غيره إلا إن كان لا يعرف بغيرها أو كانت أشهر من الاسم.
تنبيه : ذكر في الآية ثلاثة أمور مرتبة بعضها دون بعض كما علم من تقريرها ﴿بئس الاسم﴾ أي المذكور من السخرية واللمز والتنابز. وقوله تعالى :﴿الفسوق﴾ أي : الخروج من ربقة الدين ﴿بعد الإيمان﴾ بدل من الاسم لإفادة أنه فسق لتكرّره عادة. وروي أنّ الآية "نزلت في صفية بنت حيي أتت رسول الله ﷺ فقالت : إنّ النساء يقلن لي يا يهودية بنت يهوديين فقال : هلا قلت إن أبي هارون وعمي موسى وزوجي محمد ﷺ ﴿ومن لم يتب﴾ أي : يرجع عما نهى الله عنه فخفف
٥٥
على نفسه ما كان شدّد عليها ﴿فأولئك﴾ أي : البعداء من الله تعالى ﴿هم الظالمون﴾ أي الغريقون في وضع الأشياء في غير مواضعها. وأدغم أبو عمرو والكسائي الباء في الفاء. واختلف عن خلاد والباقون بالإظهار.
﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ أي : اعترفوا بالإيمان وإن كانوا في أوّل مراتبه ﴿اجتنبوا﴾ أي : كلفوا أنفسكم أن تتركوا وتبعدوا وتجعلوا في جانب بعيد عنكم ﴿كثيراً من الظنّ﴾ أي : في الناس وغيرهم واحتاطوا في كل ظنّ ولا تتمادوا معه حتى تجزموا بسببه.
تنبيه : أفهم ذلك أنّ من الظنّ ما لا يجتنب كما في الاجتهاد حيث لا قاطع وكما في ظنّ الخير في الله تعالى : ففي الحديث "أنا عند ظنّ عبدي بي فلا يظنّ بي إلا خيراً" بل قد يجب كما في قوله تعالى :﴿لولا إذ سمعتموه ظنّ المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً﴾ (النور : ١٢)
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥٣
وقيل : نزلت في رجلين اغتابا رفيقهما. "وذلك أنّ رسول الله ﷺ كان إذا غزا أو سافر ضمّ الرجل المحتاج إلى رجلين موسرين يخدمهما ويتقدّم لهما إلى المنزل فيهيء لهما طعامهما وشرابهما فضمّ سلمان الفارسيّ إلى رجلين في بعض أسفاره فتقدّم سلمان إلى المنزل فغلبته عيناه فلم يهيء لهما فلما قدما قالا له : ما صنعت شيئاً، قال : لا غلبتني عينايّ، قالا له : انطلق إلى رسول الله ﷺ فاطلب لنا منه طعاماً فجاء سلمان إلى رسول الله ﷺ وسأله طعاماً فقال له رسول الله ﷺ انطلق إلى أسامة بن زيد وقل له : إن كان عندك فضل من طعام فليعطك وكان أسامة خازن رسول الله ﷺ وعلى رحله فأتاه فقال : ما عندي شيء فرجع سلمان إليهما فأخبرهما فقالا : كان عند أسامة ولكن بخل فبعثا سلمان إلى طائفة من الصحابة فلم يجد عندهم شيئاً فلما رجع قالا له : لو بعثناه إلى بئر سميحة لغار ماؤها ثم انطلقا يتجسسان هل عند أسامة ما أمر لهما به رسول الله ﷺ فلما جاءا رسول الله ﷺ قال لهما : ما لي أرى خضرة اللحم في أفواهكما قالا والله يا رسول الله ما تناولنا يومنا هذا لحماً. قال ظلتم تأكلون لحم أسامة وسلمان فأنزل الله عز وجلّ ﴿يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن﴾.
وقوله تعالى :﴿إن بعض الظنّ إثم﴾ تعليل مستأنف للأمر قال ﷺ "إياكم والظنّ فإنّ الظنّ أكذب الحديث" والإثم الذنب الذي يستحق العقوبة عليه وجعل الزمخشري همزه بدلاً من واو قال : لأنه يتم الأعمال أي يكسرها قال ابن عادل : وهذا غيره مسلم بل تلك مادّة أخرى.
قال سفيان الثوري : الظنّ ظنان : أحدهما : إثم وهو أن يظنّ ويتكلم به والآخر ليس بإثم وهو أن يظنّ ولا يتكلم به. وقوله تعالى ﴿ولا تجسسوا﴾ حذف منه إحدى التاءين أي لا تتبعوا عورات المسلمين ومعائبهم بالبحث عنها قال ﷺ "لا تجسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا و لا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً" وقال عليه الصلاة والسلام :"يا معشر من آمن بلسانه ولم
٥٦


الصفحة التالية
Icon