وإنا أهل البيت نقول : أرجى آية في كتاب الله ﴿ولسوف يعطيك ربك فترضى﴾ وفي هذا موعد لما أعطاه الله تعالى في الدنيا من الفتح والظفر بأعدائه يوم بدر ويوم فتح مكة ودخول الناس في الدين أفواجاً، والغلبة على قريظة والنضير وإجلائهم وبث عساكره وسراياه في بلاد العرب وما فتح على خلفائه الراشدين في أقطار الأرض من المدائن، وهدم بأيديهم من ممالك الجبابرة، وأنهبتهم من كنوز الأكاسرة وما
٦٣٤
قذف في قلوب أهل الشرق والغرب من الرعب وتهيب الإسلام وفشوّ الدعوة واستيلاء المسلمين.
ولما أعطاه في الآخرة من الثواب الذي لا يعلم كنهه إلا الله تعالى. قال ابن عباس : له الجنة ألف قصر من لؤلؤ أبيض ترابه المسك. فإن قيل : ما هذه اللام الداخلة على سوف ؟
أجيب : بأنها لام الابتداء المؤكدة لمضمون الجملة، والمبتدأ محذوف تقديره : ولأنت سوف يعطيك، وذلك أنها لا تخلو من أن تكون لام قسم ابتداء، ولام الابتداء، لا تدخل إلا على الجملة من المبتدأ والخبر فلا بدّ من تقدير مبتدأ وخبر، وأن يكون أصله : ولأنت سوف يعطيك.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٣٢
فإن قيل : ما معنى الجمع بين حرفي التأكيد والتأخير ؟
أجيب : بأن معناه : أنّ العطاء كائن لا محالة وإن تأخر لما في التأخير من المصلحة على أنه تعالى أخبر نبيه ﷺ بالحال التي كان عليها.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٣٢
فقال جل ذكره :﴿ألم يجدك﴾ وهو استفهام تقرير، أي : وجدك ﴿يتيماً﴾ وذلك أنّ أباه مات وهو جنين قد أتت عليه ستة أشهر، وقيل : مات قبل ولادته وماتت أمّه وهو ابن ثمان سنين. ﴿فآوى﴾، أي : بأن ضمك إلى عمك أبي طالب فأحسن تربيتك. وعن مجاهد : هو من قول العرب درة يتيمة إذا لم يكن لها نظير، فالمعنى : ألم يجدك يتيماً واحداً في شرفك فآواك الله تعالى بأصحاب يحفظونك ويحوطونك. وهذا خلاف الظاهر من الآية، ولهذا قال الزمخشري : ومن بدع التفاسير أنه من قولهم : درة يتيمة، وأنّ المعنى : ألم يجدك واحداً في قريش عديم النظير فآواك. فإن قيل : كيف أنّ الله تعالى يمنّ بنعمه والمنّ بها لا يليق، ولهذا ذمّ فرعون في قوله لموسى عليه السلام :﴿ألم نربك فينا وليداً﴾ (الشعراء : ١٨)
أجيب : بأنّ ذلك يحسن إذا قصد به تقوية قلبه ووعده بدوام النعمة، فامتنان الله تعالى زيادة نعمة بخلاف امتنان الآدمي.
واختلفوا في قوله تعالى :﴿ووجدك ضالاً فهدى﴾ فأكثر المفسرين على أنه كان ضالاً عما هو عليه الآن من الشريعة فهداه الله تعالى إليها، وقيل : الضلال بمعنى الغفلة كقوله تعالى :﴿لا يضل ربي ولا ينسى﴾ (طه : ٥٢)، أي : لا يغفل. وقال تعالى في حق نبيه ﷺ ﴿وإن كنت من قبله لمن الغافلين﴾ (يوسف : ٣)
. وقال الضحاك : المعنى : لم تكن تدري القرآن وشرائع الإسلام فهداك إلى القرآن وشرائع الإسلام.
وقال السدي : وجدك ضالاً، أي : في قوم ضلال فهداهم الله تعالى بك، أو فهداك على إرشادهم. وقيل : وجدك ضالاً عن الهجرة فهداك إليها. وقيل : ناسياً شأن الاستثناء حين سئلت عن أصحاب الكهف وذي القرنين والروح فذكرك كقوله تعالى :﴿أن تضل إحداهما﴾ (البقرة : ٢٨٢)
. وقيل : وجدك طالباً للقبلة فهداك إليها. كقوله تعالى :﴿قد نرى تقلب وجهك في السماء﴾ (البقرة : ١٤٤)
الآية، ويكون الضلال بمعنى الطلب لأنّ الضال طالب وقيل : وجدك ضائعاً في قومك فهداك إليهم، ويكون الضلال. بمعنى المحبة كما قال تعالى :﴿تالله إنك لفي ضلالك القديم﴾ (يوسف : ٩٥)، أي : محبتك. قال الشاعر :
*هذا الضلال أشاب مني المفرقا ** والعارضين ولم أكن متحققا*
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٣٥
عجباً لعزة في اختيار قطيعتي ** بعد الضلال فحبلها قد أخلقا*
٦٣٥


الصفحة التالية
Icon