طلقت إلا رجلاً واحداً من أصحاب أبي حنيفة فإنه كان ساكتاً، فقال له المنصور : ما لك لا تتكلم، فقال الرجل : بسم الله الرحمن الرحيم ﴿والتين والزيتون﴾ إلى قوله تعالى :﴿لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم﴾ يا أمير المؤمنين فالإنسان أحسن الأشياء، ولا شيء أحسن منه، فقال المنصور لعيسى : الأمر كما قال الرجل فأقبل على زوجتك، فأرسل المنصور إليها أطيعي زوجك فما طلقك. وهذا يدل على أنّ الإنسان أحسن خلق الله تعالى ولذلك قيل : إنه العالم الأصغر إذ كل ما في المخلوقات اجتمع فيه.
﴿
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٤٤
ثم رددناه﴾ أي : بعض أفراداه بما لنا من القدرة الكاملة ﴿أسفل سافلين﴾ أي : إلى الهرم وأرذل العمر فيضعف بدنه وينقص عقله، والسافلون هم الضعفاء والزمنى والأطفال، والشيخ الكبير أسفل من هؤلاء جميعاً لأنه لا يستطيع حيلة ولا يهتدي سبيلاً، فقوس ظهره بعد اعتداله، وأبيض شعره بعد اسوداده، وكل بصره وسمعه وكانا حديدين، وتغير كل شيء منه فمشيه دليف وصوته خفات وقوّته ضعف وشهامته خرف. وقيل : ثم رددناه إلى النار لأنها دركات بعضها أسفل من بعض.
فقوله تعالى :﴿إلا الذين آمنوا وعملوا﴾ أي : تصديقاً لدعواهم الإيمان ﴿الصالحات﴾ أي : الطاعات استثناء متصل على الثاني على أنّ المعنى : رددناه أسفل من سفل خلقاً وتركيباً يعني : أقبح من قبح صورة وأشوهه خلقة، وهم أهل النار وأسفل من سفل من أهل الدركات. فالاتصال على هذا واضح، وعلى الأوّل منقطع، أي : لكن الذين كانوا صالحين من الهرمى ﴿فلهم﴾ أي : فتسبب عن ذلك أن كان لهم ﴿أجر غير ممنون﴾ أي : ثواب دائم غير منقطع على طاعاتهم وصبرهم على ابتلاء الله تعالى لهم بالشيخوخة والهرم وعلى مقاساة المشاق والقيام بالعبادة على تخاذل نهوضهم وفي الحديث :"إذا بلغ المؤمن من الكبر ما يعجز عن العمل كتب له ما كان يعمل". وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إلا الذين قرؤوا القرآن، وقال : من قرأ القرآن لم يردّ إلى أرذل العمر. ثم قال تعالى إلزاماً للحجة :
﴿فما يكذبك﴾ أي : أيها الإنسان الكافر ﴿بعد﴾ أي : بعد ما ذكر من خلق الإنسان من نطفة وتقويمه بشراً سوياً وتدريجه في مراتب الزيادة إلى أن يستوي ويكمل ويصير في أحسن تقويم، ثم يردّ إلى أرذل العمر الدال على القدرة على البعث، فيقول : إنّ الذي فعل ذلك قادر على أن يبعثني ويحاسبني فما سبب تكذيبك أيها الإنسان ﴿بالدين﴾ أي : الجزاء بعد هذا الدليل القاطع. وقيل : الخطاب للنبيّ ﷺ وعلى هذا يكون المعنى : فما الذي يكذبك فيما تخبر به من الجزاء أو البعث بعد هذه العبر التي يوجب النظر فيها صحة ما قلت
وقوله تعالى :﴿أليس الله﴾ أي : الملك الأعظم على ما له من صفات الكمال ﴿بأحكم الحاكمين﴾ أي : بأقضى القاضين. وعيد للكفار وأنه يحكم عليهم بما هم أهله. وفي الحديث :"من قرأ التين إلى آخرها فليقل : بلى وأنا على ذلك من الشاهدين". وقول البيضاوي تبعاً للزمخشريّ : عن رسول الله ﷺ "من قرأ سورة والتين أعطاه الله تعالى خصلتين العافية واليقين ما دام في دار الدنيا وإذا مات أعطاه الله من الأجر بعدد من قرأ هذه السورة" حديث موضوع.
٦٤٦
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٤٤