وعن عليّ أنه ﷺ قال :"رأيت ليلة أسري بي ملكاً رجلاه جاوزت من الأرض السابعة السفلى، ورأسه من السماء السابعة العليا، ومن لدن رأسه إلى قدميه وجوه وأجنحة في كل وجه فم ولسان يسبح الرحمن تسبيحاً لا يسبحه العضو الآخر، ولو أمره الله تعالى أن يلتقم السموات السبع والأرضين السبع لقمة واحدة، كما يلتقم أحدكم اللقمة لأطاق ذلك، ثم لم تكن تلك في فيه إلا كلقمة أحدكم في فيه، ولو سمع أهل الدنيا صوته بالتسبيح لصعقوا، ما بين شحمة أذنه إلى منكبه خفقان الطير السريع سبعة آلاف سنة، وهو رأس الملائكة". وقيل : الروح طائفة من الملائكة لا تراهم الملائكة إلا في تلك الليلة ينزلون من لدن غروب الشمس إلى طلوع الفجر. ﴿بإذن ربهم﴾ أي : بأمر المحسن إليهم المربي لهم ﴿من كل أمر﴾ أي : قضاه الله تعالى فيها لتلك السنة إلى قابل، وتقدّم الجمع بينها وبين ليلة النصف من شعبان، ومن سببية بمعنى الباء.
الوجه الثالث : فضائلها ما ذكره تعالى بقوله سبحانه :
﴿سلام﴾ أي : عظيم جدّاً، وهو خبر مقدّم والمبتدأ. ﴿هي﴾ جعلت سلاماً لكثرة السلام فيها من الملائكة لا يمرّون بمؤمن ولا مؤمنة إلا سلمت عليه وستمرّون على ذلك من غروب الشمس ﴿حتى﴾ أي : إلى ﴿مطلع الفجر﴾ أي : وقت مطلعه، أي : طلوعه. وقرأ الكسائي بكسر اللام على أنه كالمرجع، واسم زمان على غير قياس كالمشرق، والباقون بفتحها.
ومن فضائلها أنّ من قامها غفرت له ذنوبه ففي الصحيحين :"من قام ليلة القدر إيماناً
٦٥٨
واحتساباً غفر له ما تقدّم من ذنبه". قال النووي في "شرح مسلم" : ولا ينال فضلها إلا من أطلعه الله تعالى عليها فلو قامها إنسان ولم يشعر بها لم ينل فضلها. قال الأذرعي وكلام المتولي ينازعه حيث قال : يستحب التعبد في كل ليالي العشر حتى يحوز الفضيلة على اليقين اه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٥٤
وهذا أولى نعم حال من أطلق أكمل إذا قام بوظائفها. وعن أبي هريرة مرفوعاً "من صلى العشاء الأخيرة في جماعة من رمضان فقد أدرك ليلة القدر"، أي : أخذ حظاً منها. ويسنّ لمن رآها أن يكتمها، ويسنّ أن يكثر الدعاء والتعبد في ليالي رمضان وأن يكون من دعائه :"اللهمّ إنك عفوّ كريم تحب العفو فاعف عني".
ومن علاماتها أنّ الشمس تطلع صبيحتها لا شعاع لها، رواه مسلم عن أبيّ بن كعب وعن ابن مسعود : قال :"إنّ الشمس تطلع كل يوم بين قرني شيطان إلا صبيحة ليلة القدر فإنها تطلع يومئذ بيضاء ليس لها شعاع". فإن قيل : لا فائدة في هذه العلامة فإنها قد انقضت. أجيب : بأنه يستحب أن يجتهد في ليلتها ويبقى يعرفها كما مرّ عن الشافعي أنها تلزم ليلة واحدة. وقول البيضاوي تبعاً للزمخشري عن النبيّ ﷺ "من قرأ سورة القدر أعطى من الأجر كمن صام رمضان وأحيا ليلة القدر" حديث موضوع.
٦٥٩
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٥٤