. وذكر بعض أهل اللغة أنّ الذرأن يضرب الرجل يده على الأرض فما علق من التراب فهو الذر. وعن ابن عباس : إذا وضعت يدك على الأرض ورفعتها فكل واحدة مما لزق من التراب ذرّة، وفسرها بعضهم بالنملة الصغيرة، وبعضهم بالهباءة التي ترى طائرة في الشعاع الداخل من الكوة. وقال محمد كعب القرظي : فمن يعمل مثقال ذرّة من خير من كافر يرى ثوابه في الدنيا في نفسه وماله وأهله وولده، حتى يخرج من الدنيا وليس له عند الله تعالى خير ومن يعمل مثقال ذرّة من شرّ، من مؤمن يرى عقوبته في الدنيا في نفسه وماله وأهله وولده حتى يخرج من الدنيا وليس له عند الله تعالى شررّ ودليله ما روى أنس "أن هذه الآية نزلت على النبيّ ﷺ وأبو بكر يأكل فأمسك وقال : يا رسول الله وإنا لنرى ما عملنا من خير وشرّ ؟
فقال ﷺ يا أبا بكر ما رأيت في الدنيا مما تكره فمثاقيل ذر الشر ويدّخر لكم مثاقيل ذر الخير حتى تعطوه يوم القيامة". وقال أبو إدريس : إنّ مصداقه من كتاب الله عز وجل :﴿وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم﴾ (الشورى : ٣٠)
. وقال مقاتل : نزلت في رجلين أحدهما كان يأتيه السائل فيستقل أن يعطيه التمرة والكسرة والجوزة، وكان الآخر يتهاون بالذنب اليسير كالكذبة والغيبة والنظرة، ويقول : إنما وعد الله تعالى النار على الكبائر فنزلت هذه الآية لترغبهم في القليل من الخير يعطوه ولهذا قال ﷺ "اتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة" وتحذرهم من اليسير من الذنب،
٦٦٧
ولهذا قال ﷺ لعائشة :"إياك ومحقرات الذنوب فإنّ لها من الله تعالى طالباً" وقال ابن مسعود : هذه الآية أحكم آية في القرآن وأصدق. وقد اتفق العلماء على عموم هذه الآية.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٦٥
وقال كعب الأحبار : لقد أنزل على محمد ﷺ آيتان أحصتا ما في التوراة والإنجيل والزبور والصحف ﴿فمن يعمل مثقال ذرّة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرّة شراً يره﴾. وكان ﷺ يسمي هذه الجامعة الفاذة حين سئل عن زكاة الحمير فقال :"ما نزل عليّ فيها شيء غير هذه الآية الجامعة الفاذة" :﴿فمن يعمل مثقال ذرّة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرّة شراً يره﴾. وروى مالك في الموطأ أنّ مسكيناً استطعم عائشة رضي الله عنها وبين يديها عنب، فقالت لإنسان خذ حبة فأعطه إياها فجعل ينظر إليها ويتعجب فقالت : أتعجب كم ترى في هذه الحبة من مثقال ذرّة، وكذا تصدّق عمر رضي الله عنه، وإنما فعلا ذلك لتعليم الغير وإلا فهما من كرماء الصحابة. قال الربيع بن خيثم مرّ رجل بالحسن وهو يقرأ هذه الآية فلما بلغ آخرها قال : حسبي قد انتهت الموعظة.
تنبيه : قوله تعالى :﴿يره﴾ جواب الشرط في الموضعين. وقرأ هشام بسكون هاء يره وصلاً في الحرفين، والباقون بضمها وصلاً وساكنة وقفاً كسائر هاء الكناية. وقول البيضاوي تبعاً للزمخشري عن النبيّ ﷺ "من قرأ إذا زلزلت أربع مرّات كان كمن قرأ القرآن كله"، رواه الثعلبي بسند ضعيف لكن يشهد له ما رواه ابن أبي شيبة مرفوعاً "إذا زلزلت تعدل ربع القرآن".
٦٦٨
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٦٥


الصفحة التالية
Icon