وقيل : إنما توزن أعمال المؤمنين فمن ثقلت حسناته على سيئاته دخل الجنة، ومن ثقلت سيئاته على حسناته دخل النار فيقتص منه على قدرها، ثم يخرج منها فيدخل الجنة، أو يعفو الله عنه فيدخل الجنة بفضله ورحمته. وأمّا الكافر فقد قال الله تعالى في حقه :﴿فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً﴾ (الكهف : ١٠٥)
ثم قيل : إنه ميزان واحد بيد جبريل عليه السلام يزن به أعمال بني آدم، فعبر عنه بلفظ الجمع. وقيل : موازين لكل حادثة ميزان، وقيل : الموازين الحجج والدلائل قاله عبد العزيز بن يحيى، واستشهد بقول الشاعر :
*قد كنت قبل لقائكم ذا مرّة ** عندي لكل مخاصم ميزانه*
﴿فهو﴾ أي : بسبب رجحان حسناته ﴿في عيشة﴾ أي : حياة يتقلب فيها. قال البقاعي : ولعله
٦٧٣
ألحقها بالهاء الدالة على الوحدة، والمراد العيش ليفهم أنها على حالة واحدة في الصفاء واللذة وليست ذات ألوان كحياة الدنيا ﴿راضية﴾ أي : ذات رضا أو مرضية لأنّ أمّه جنة عالية.
﴿وأمّا من خفت﴾ أي : طاشت ﴿موازينه﴾ أي : غلبت سيئاته، أو لم تكن له حسنة لاتباعه الباطل وخفته عليه في الدنيا.
﴿
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٧٢
فأمّه﴾ أي : التي تؤويه وتضمه إليها كما يقال للأرض أم لأنها تقصد لذلك، ويسكن إليها كما يسكن إلى الأمّ وكذا المسكن ﴿هاوية﴾ أي : نار نازلة سافلة جدّاً، فهو بحيث لا يزال يهوي فيها نازلاً فهو في عيشة ساخطة فالآية من الاحتباك ذكر العيشة أولاً دليلاً على حذفها ثانياً وذكر الأمّ ثانياً، دليلاً على حذفها أوّلاً، والهاوية اسم من أسماء جهنم وهي المهواة لا يدرك قعرها.
وقال قتادة : هي كلمة عربية كان الرجل إذا وقع في أمر شديد يقال : هوت أمّه. وقيل : أراد أمّ رأسه يعني أنهم يهوون في النار على رؤوسهم، وإلى هذا التأويل ذهب قتادة وأبو صالح. وروي عن أبي بكر أنه قال : وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينهم يوم القيامة باتباع الحق وثقله في الدنيا، وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الحسنات أن يثقل، وإنما خفت موازين من خفت موازينه باتباعهم الباطل وخفته في الدنيا، وحق لميزان لا يوضع فيه إلا السيئات أن يخف.
﴿وما أدراك﴾ أي : وأيّ شيء أعلمك وإن اشتدّ تكلفك ﴿ماهيه﴾ أي : الهاوية، والأصل ما هي فدخلت الهاء للسكت وقرأ حمزة في الوصل بغيرها بعد الياء التحتية ووقف بها، والباقون بإثباتها وصلاً ووقفاً.
فإن قيل : قال هنا :﴿وما أدراك ماهيه﴾ وقال أوّل السورة :﴿وما أدراك ما القارعة﴾ ولم يقل ما أدراك ما الهاوية ؟
أجيب : بأنّ كونها قارعة أمر محسوس وكونها هاوية ليس كذلك فظهر الفرق.
وقوله تعالى :﴿نار حامية﴾ خبر مبتدأ مضمر، أي : هي، أي : الهاوية نار شديدة الحرارة. روى مسلم أنّ النبيّ ﷺ قال :"ناركم هذه التي توقد جزء من سبعين جزءً من حرّ جهنم، قالوا : وإنها لكافية يا رسول الله ؟
قال : فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءً كلها مثل حرّها" وقول البيضاوي تبعاً للزمخشري : عن النبيّ ﷺ "من قرأ سورة القارعة ثقل الله بها ميزانه يوم القيامة" حديث موضوع.
٦٧٤
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٧٢