سورة الهمزة
مكية
وهي تسع آيات وثلاثون كلمة ومائة وثلاثون حرفاً
﴿بسم الله﴾ الحكم العدل ﴿الرحمن﴾ الذي عمّ جوده أهل البخل وأولي العدل ﴿الرحيم﴾ الذي خص أولياءه بزيادة الفضل
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٨٠
وقوله تعالى :﴿ويل﴾ فيه قولان : أحدهما : أنه كلمة عذاب، والثاني : أنه واد في جهنم ﴿لكل همزة لمزة﴾ قال ابن عباس : هم المشاؤون بالنميمة المفرّقون بين الأحبة الباغون للبرآء العيب، فعلى هذا هما بمعنى. وقال ﷺ "شرّ عباد الله المشاؤون بالنميمةالمفسدون بين الأحبة الباغون للبراء العيب". وقال مقاتل : الهمزة الذي يعيبك في الغيب، واللمزة الذي يعيبك في الوجه. وقال أبو العالية والحسن : الهمزة الذي يغتاب ويطعن في وجه الرجل، واللمزة الذي يغتابه من خلفه، وهذا اختيار النحاس. ومنه قوله تعالى :﴿ومنهم من يلمزك في الصدقات﴾ (التوبة : ٥٨)
. وقال سعيد بن جبير : الهمزة الذي يأكل لحوم الناس ويغتابهم، واللمزة الطعان عليهم. وقال ابن زيد : الهمزة الذي يهمز الناس بيده ويضربهم، واللمزة الذي يلمزهم بلسانه ويعيبهم. وقال سفيان الثوري : يهمز بلسانه ويلمز بعينه. وقال ابن كيسان : الهمزة الذي يؤذي جليسه بسوء اللفظ، واللمزة الذي يكسر عينه ويشير برأسه ويرمز بحاجبه. وحاصل هذه الأقاويل يرجع إلى أصل واحد وهو الطعن وإظهار العيب، ويدخل في ذلك من يحاكي الناس بأقوالهم وأفعالهم وأصواتهم ليضحكوا منهم. وأصل الهمز الكسر واللمز الطعن، ثم خصا بالكسر من أعراض الناس والطعن فيهم حتى صار ذلك عادة، لأنه خلق ثابت في جبلتهم والذي دلّ على الاعتياد صيغة فعلة بضم ففتح، كما يقال : ضحكة للذي يفعل الضحك كثيراً حتى صار عادة له وضرى به.
واختلفوا فيمن نزلت فيه هذه الآية، فقال الكلبي : نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي كان يقع في الناس ويغتابهم. وقال محمد بن إسحاق : ما زلنا نسمع أنّ سورة الهمزة نزلت في أمية بن
٦٨١
خلف الجمحيّ. وقال مقاتل : نزلت في الوليد بن المغيرة، كان يغتاب النبيّ ﷺ من ورائه، ويطعن عليه في وجهه. وقال مجاهد : هي عامّة في حق من هذه صفته.
وقوله تعالى :﴿الذي جمع مالاً﴾ بدل من كل، أو ذمّ منصوب أو مرفوع. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي بتشديد الميم على المبالغة والتكثير ولأنه يوافق قوله تعالى :﴿وعدّده﴾ والباقون بتخفيفها، وهي محتملة للتكثير وعدمه، ومعنى عدّده : أحصاه وجعله للحوادث. وقال الضحاك : أعدّ ماله لمن يرثه من أولاده، وقيل : فاخر بعدده وكثرته : والمقصود الذم على إمساك المال عن سبيل الطاعة كقوله تعالى :
﴿
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٨١
مناع للخير﴾
(ص : ٥)
وقوله تعالى :﴿جمع فأوعى﴾ (المعراج : ١٨)
﴿يحسب﴾ أي : يظنّ لجهله ﴿أنّ ماله أخلده﴾ أي : أوصله إلى رتبة الخلد في الدنيا فيصير خالداً فيها لا يموت، أو يعمل من تشييد البنيان الموثق بالصخر والآجر وغرس الأشجار وعمارة الأرض عمل من يظنّ أنّ ماله أبقاه حياً، أو هو تعريض بالعمل الصالح، أو أنه هو الذي أخلد صاحبه في النعيم، فأمّا المال فما أخلد أحداً فيه. وروي أنه كان للأخنس أربعة آلاف دينار، وقيل : عشرة آلاف دينار. وعن الحسن : أنه عاد موسراً فقال : ما تقول في ألوف لم أفتد بها من لئيم ولا تفضلت بها على كريم ؟
قال : لماذا ؟
قال : لنبوة الزمان، وجفوة السلطان ونوائب الدهر، ومخافة الفقر. قال : إذاً تدعه لمن لا يحمدك، وترد على من لا يعذرك. وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة بفتح السين، والباقون بكسرها.
وقوله تعالى :﴿كلا﴾ ردع له عن حسبانه، وقيل : معناه حقاً. وقوله تعالى :﴿لينبذنّ﴾ جواب قسم محذوف، أي : ليطرحن بعد موته ﴿في الحطمة﴾ أي : الطبقة من جهنم التي شأنها أن تحطم، أي : تكسر بشدّة وعنف كل ما طرح فيها يكون أخسر الخاسرين ويقال للرجل الأكول : إنه لحطمة.
﴿وما أدراك﴾ أي : وأيّ شيء أعلمك، ولو بمحاولة منك للعلم واجتهاد في التعرف مع كونك أعلم الحكماء ﴿ما الحطمة﴾ أي : الدركة النارية التي سميت هذا الاسم بهذه الخاصة، وإنه ليس في الوجود الذي شاهدتموه ما يقاربها ليكون مثالاً لها، ثم فسرها بقوله تعالى :
﴿نار الله﴾ أي : الملك الأعظم الذي له الملك كله ﴿الموقدة﴾ أي : التي وجد وتحتم إيقاده، ومن الذي يطيق محاولة ما أوقد فهي لا يزال لها هذا الاسم ثابتاً.
روى أبو هريرة أنه ﷺ قال :"أوقد على النار ألف سنة حتى احمرّت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودّت فهي سوداء مظلمة".
﴿التي تطلع﴾ أي : إطلاعاً شديداً ﴿على الأفئدة﴾ جمع فؤاد وهو القلب الذي يكاد يحترق من شدّة ذكائه فكان ينبغي أن يجعل ذكاءه في أسباب الخلاص، وإطلاعها عليه بأن تعلو وسطه وتشتمل عليه اشتمالاً بليغاً سُمِّيَ بذلك لشدّة توقدّه وخُصَّ لأنه ألطف ما في البدن وأشدّ تألماً بأدنى شيء من الأذى، ولأنه منشأ العقائد الفاسدة، ومعدن حبّ المال الذي هو منشأ حبّ الفساد والضلال، وعنه تصدر الأفعال القبيحة. وقيل : معنى ﴿تطلع على الأفئدة﴾ أي : تعمل ما يستحقه كل واحد منهم من العذاب يقال : اطلع على كذا، أي : علمه.
٦٨٢
ثم أشار إلى خلودهم فيهابقوله تعالى مؤكداً لأنهم يكذبون بها :
﴿
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٨١
إنها عليهم مؤصدة﴾
قال الحسن : مطبقة، أي : بغاية الضيق. وقال مجاهد : مغلقة بلغة قريش، يقال : أصدت الباب، أي : أغلقته ومنه قول عبد الله بن قيس :
*إنّ في القصر لو دخلنا غزالاً ** مفتناً مؤصداً عليه الحجاب*
ثم بين حال عذابهم بقوله تعالى :
﴿في﴾ أي : في حال كونهم موثوقين في ﴿عمد﴾ قرأ حمزة والكسائي وشعبة بضم العين والميم جمع عمود نحو رسول ورسل، وقيل : جمع عماد ككتاب وكتب، والباقون بفتحهما فقيل : هو اسم جمع لعمود، وقيل : بل هو جمع له. قال الفراء : كأديم وأدم. وقال أبو عبيدة : هو جمع عماد. ﴿ممددة﴾ أي : معترضة كأنها موضوعة على الأرض في غاية المكنة فلا يستطيع الموثوق بها على نوع حيلة في أمرها. قال رسول الله ﷺ "إنّ الله يبعث عليهم ملائكة بأطباق من نار ومسامير من نار، وعمد من نار، فيطبق عليهم بتلك الأطباق، وتسدّ بتلك المسامير، وتمدّ بتلك العمد فلا يبقى فيها خلل يدخل منه روح ولا يخرج منه غم فيكون كلامهم فيها زفيراً وشهيقاً".
وقال قتادة : عمد تعذبون بها، واختاره الطبريّ. وقال ابن عباس : إنّ العمد الممدّدة أغلال في أعناقهم. وقال أبو صالح قيود في أرجلهم. وقال القشيري : العمد أوتاد الأطباق. وقيل : المعنى في دهور ممدودة لا انقطاع لها. وقول البيضاوي تبعاً للزمخشري عن النبيّ ﷺ "من قرأ سورة الهمزة أعطاه الله عشر حسنات بعدد من استهزأ بمحمد ﷺ وأصحابه" حديث موضوع.
٦٨٣
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٨١


الصفحة التالية
Icon